(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في وجوب خدمة المرأة لزوجها: تقدّم أن كثيرًا من العلماء قالوا: لا يجب عليها، ولم يأتوا على ذلك بحجة مقنعة، والحقّ أن ذلك واجب عليها؛ لأن الله سبحانه وتعالى قال:{وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} الآية [البقرة: ٢٢٨] فأوجب الله - صلى الله عليه وسلم - على النساء مثل ما أوجب لهنّ على الرجال مما جرى العرف به، وقد جرى العرف بأن الزوجة تخدم زوجها، وتقوم على بيته، وأولاده، فالحقّ أن خدمة الزوجة لزوجها، وقيامها بمهمات بيته مما أوجبه الشرع الشريف، وقد عقد الإِمام ابن القيّم رحمه اللهُ في كتابه الممتع "زاد المعاد في هدي خير العباد" فصلًا مفيدًا جدًّا، أحببت إيراده لأهميّته، ونفاسته، قال رحمه اللهُ:
[فصل]: في حكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - في خدمة المرأة لزوجها:
قال ابن حبيب في "الواضحة": حكم النبيّ - صلى الله عليه وسلم - بين عليّ بن أبي طالب، وبين زوجته فاطمة - رضي الله عنهما - حين اشتكيا إليه الخدمة، فحكم على فاطمة بالخدمة الباطنة، خدمةِ البيت، وحكم على عليّ بالخدمة الظاهرة، ثم قال ابن حبيب: والخدمة الباطنة: العَجْن، والطبخ، والفرش، وكنس البيت، واستقاء الماء، وعمل البيت كلّه.
وفي "الصحيحين": أن فاطمة - رضي الله عنها - أتت النبيّ - صلى الله عليه وسلم -، تشكو إليه ما تلقى في يديها من الرحى، وتسأله خادمًا، فلم تجده، فذكرت ذلك لعائشة - رضي الله عنها -، فلمّا جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أخبرته، قال عليّ: فجاءنا، وقد أخذنا مضاجعنا، فذهبنا نقومُ، فقال:"مكانكما"، فجاء، فقعد بيننا، حتى وجدت برد قدميه على بطني، فقال:"ألا أدلّكما على ما هو خيرٌ لكما مما سألتما، إذا أخذتما مضاجعكما، فسبّحا الله ثلاثًا وثلاثين، واحمَدَا ثلاثًا وثلاثين، وكبّرا أربعًا وثلاثين، فهو خيرٌ لكما من خادم"، قال عليّ: فما تركتها بعدُ، قيل: ولا ليلة صفّين؛ قال: ولا ليلة صفّين.
وصحّ عن أسماء أنها قالت: كنت أخدُم الزبير خدمة البيت كلّه، وكان له فرَسٌ، وكنت أسوسه، وكنت أحتشّ له، وأقوم عليه، وصحّ عنها أنها كانت تعلف فرسه، وتسقي الماء، وتخرز الدلو، وتعجِن، وتنقُل النوى على رأسها من أرض له على ثُلثي فرسخ.