وأما قوله في الرواية الأخرى:"يا رسول الله إنك نهيت عن الرقى"، فأجاب العلماء عنه بأجوبة:
أحدها: كان نهى أوّلًا، ثم نَسَخ ذلك، وأَذِن فيها، وفَعَلها، واستقرّ الشرع على الإذن.
والثاني: أن النهي عن الرقى المجهولة، كما سبق.
والثالث: أن النهي لقوم كانوا يعتقدون منفعتها، وتأثيرها بطبعها، كما كانت الجاهلية تزعمه في أشياء كثيرة.
وأما قوله في الحديث الآخر:"لا رقية إلَّا من عين، أو حُمَةٍ"، فقال العلماء: لَمْ يُرِد به حصر الرقية الجائزة فيهما، ومَنْعها فيما عداهما، وإنما المراد: لا رقية أحقّ، وأَولى من رقية العين، والْحُمَة؛ لشدة الضرر فيهما.
قال القاضي: وجاء في حديث في غير مسلم: "سئل عن النُّشْرة، فقال: هو من عمل الشيطان"، قال: والنشرة معروفة مشهورة عند أهل التعزيم، وسُمِّيت بذلك؛ لأنَّها تنشر عن صاحبها؛ أي: تخلى عنه.
وقال الحسن: هي من السحر، قال القاضي: وهذا محمول على أنَّها أشياء خارجة عن كتاب الله تعالى، وأذكاره، وعن المداواة المعروفة التي هي من جنس المباح.
وقد اختار بعض المتقدمين هذا، فكره حَلّ المعقود عن امرأته.
وقد حَكَى البخاريّ في "صحيحه" عن سعيد بن المسيِّب؛ أنه سئل عن رجل به طِبّ؛ أي: ضرب من الجنون، أو يؤخذ عن امرأته، أيخلى عنه، أو يُنَشِّر؟، قال: لا بأس به، إنما يريدون به الصلاح، فلم ينه عما ينفع.
وممن أجاز النُّشرة: الطبريّ، وهو الصحيح، قال كثيرون، أو الأكثرون: يجوز الاسترقاء للصحيح لِمَا يخاف أن يغشاه من المكروهات، والهوام، ودليله أحاديث، ومنها حديث عائشة في "صحيح البخاريّ": "كان النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إذا أوى إلى فراشه تفل في كفِه، ويقرأ:{قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ}، والمعوذتين، ثم يمسح بها وجهه، وما بلغت يده من جسده"، والله أعلم. انتهى كلام النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ - (١).