للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: هذا الحديث دليل على استحباب الرقية بأسماء الله تعالى، وبالْعُوذ الصحيحة المعنى، وأن ذلك لا يناقض التوكل على الله تعالى، ولا ينقصه، إذ لو كان شئ من ذلك لكان النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أحقّ الناس بأن يجتنبه، فإنَّ الله تعالى لَمْ يزل يُرَقِّي نبيّه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في المقامات الشريفة، والدرجات الرفيعة إلى أن قبضه الله تعالى على أرفع مقام، وأعلى حالٍ، وقد رُقِي - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في أمراضه، حتى في مرض موته، فقد رقته عائشة - رضي الله عنها - في مرض موته، ومسحته بيدها، ويَدِه، وهو مقرّ لذلك، غير منكر. انتهى (١)، والله تعالى أعلم.

٦ - (ومنها): ما قاله النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "إن جبرائيل رَقَى النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -"، وذكر الأحاديث بعده في الرُّقَى، وفي الحديث الآخر في الذين يدخلون الجَنَّة بغير حساب: "لا يرقون، ولا يسترقون، وعلى ربهم يتوكلون"، فقد يُظَنّ مخالفًا لهذه الأحاديث، ولا مخالفة، بل المدح في ترك الرُّقَى المراد بها الرُّقَى التي هي من كلام الكفار، والرُّقَى المجهولة، والتي بغير العربية، وما لا يُعرف معناها، فهذه مذمومة؛ لاحتمال أن معناها كفْر، أو قريب منه، أو مكروه، وأما الرُّقَى بآيات القرآن، وبالأذكار المعروفة، فلا نهي فيه، بل هو سُنَّة.

ومنهم من قال في الجمع بين الحديثين أن المدح في ترك الرقى للأفضلية، وبيان التوكل، والذي فَعَلَ الرُّقَى، وأَذِن فيها لبيان الجواز، مع أن تَرْكها أفضل، وبهذا قال ابن عبد البرّ، وحكاه عمن حكاه، والمختار الأول، وقد نقلوا الإجماع على جواز الرقى بالآيات، وأذكار الله تعالى.

قال المازريّ: جميع الرقى جائزة، إذا كانت بكتاب الله، أو بذكره، ومنهيّ عنها إذا كانت باللغة العجمية، أو بما لا يُدرَى معناه؛ لجواز أن يكون فيه كفر، قال: واختلفوا في رقية أهل الكتاب، فجوَّزها أبو بكر الصديق - رضي الله عنه -، وكَرِهها مالك، خوفًا أن يكون مما بدّلوه، ومَن جَوَّزها قال: الظاهر أنهم لَمْ يبدّلوا الرقى، فإنهم لهم غرض في ذلك، بخلاف غيرها مما بدّلوه.

وقد ذكر مسلم - رَحِمَهُ اللهُ - بعد هذا أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "اعْرِضُوا عليّ رُقاكم، لا بأس بالرقى ما لَمْ يكن فيها شرك".


(١) "المفهم" ٥/ ٥٦٣ - ٥٦٤.