للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ذات يوم"، ولم يشكّ، ثم ظهر لي أن الشك فيه من عيسى بن يونس، وأن إسحاق بن راهويه أخرجه في "مسنده" عنه على الشكّ، ومن طريقه أخرجه أبو نعيم، فيُحمَل الجزم الماضي على أنَّ إبراهيم بن موسى شيخ البخاريّ حدثه به تارةً بالجزم، وتارةً بالشكّ، ويؤيده ما سأذكره من الاختلاف عنه، وهذا من نوادر ما وقع في البخاريّ أن يُخرج الحديث تامًّا بإسناد واحد بلفظين، ووقع في رواية أبي أسامة الآتية قريبًا: "ذات يوم" بغير شك. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي ذكره الحافظ من نسبة الشكّ إلى عيسى بن يونس، محلّ نظر، فقد أخرجه مسلم هنا عن عبد الله بن نمير بالشكّ أيضًا، فالذي يظهر أن الشكّ من هشام، لا من عيسى، والله تعالى أعلم.

(دَعَا رَسُولُ اللهِ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، ثُمَّ دَعَا، ثمَّ دَعَا) هذا هديه - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - من أنه يكرّر الدعاء ثلاث مرّات، قال النوويّ - رَحِمَهُ اللهُ -: فيه استحباب الدعاء عند حصول الأمور المكروهات، وتكريره، والالتجاء إلى الله تعالى في دفع ذلك (٢).

وقال الحافظ: سلك النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - في هذه القصة مسلكي التفويض، وتعاطي الأسباب، ففي أول الأمر فَوَّض، وسَلَّم لأمر ربه، فاحتسب الأجر في حبره على بلائه، ثم لمّا تمادى ذلك، وخَشِي من تماديه أن يُضعفه عن فنون عبادته، جنح إلى التداوي، ثم إلى الدعاء، وكلّ من المقامين غاية في الكمال. انتهى (٣).

وفي رواية البخاريّ: "وهو عندي، لكنه دعا، ودعا"، قال الكرمانيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: يَحْتَمِل أن يكون هذا الاستدراك من قولها: "عندي"؛ أي: لَمْ يكن مشتغلًا بي، بل اشتغل بالدعاء، ويَحْتَمِل أن يكون من التخيُّل؛ أي: كان السحر أضرَّه في بدنه، لا في عقله، وفَهْمه، بحيث إنه توجه إلى الله، ودعا على الوضع الصحيح، والقانون المستقيم. انتهى (٤).


(١) "الفتح" ١٣/ ٢٠٨، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٦٣).
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٧٥ - ١٧٦.
(٣) "الفتح" ١٣/ ٢٠٨، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٦٣).
(٤) "شرح البخاريّ" للكرمانيّ ٢١/ ٣٧ - ٣٨.