للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قواه التي فيه بحيث كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشيء، ولم يفعله، وهذا تصرف من الساحر في الطبيعة والمادة الدموية بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدَّم منه، فغيَّرت مزاجه عن طبيعته الأصلية.

والسحر: هو مركب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وانفعال القوى الطبيعية عنها، وهو أشدّ ما يكون من السحر، ولا سيما في الموضع الذي انتهى السحر إليه، واستعمال الحجامة على ذلك المكان الذي تضررت أفعاله بالسحر من أنفع المعالجة، إذا استُعملت على القانون الذي ينبغي.

قال أبقراط: الأشياء التي ينبغي أن تُستفرغ يجب أن تستفرغ من المواضع التي هي إليها أميل بالأشياء التي تصلح لاستفراغها.

وقالت طائفة من الناس: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لمّا أصيب بهذا الداء، وكان يخيل إليه أنه فعل الشي ولم يفعله، ظَنّ أن ذلك عن مادة دموية أو غيرها، مالت إلى جهة الدماغ، وغلبت على البطن المقدَّم منهن فأزالت مزاجه عن الحالة الطبيعية له، وكان استعمال الحجامة إذ ذاك من أبلغ الأدوية، وأنفع المعالجة، فاحتجم وكان ذلك قبل أن يوحى إليه أن ذلك من السحر، فلما جاءه الوحي من الله تعالى، وأخبره أنه قد سُحر عدل إلى العلاج الحقيقيّ، وهو استخراج السحر، وإبطاله، فسأل الله سبحانه، فدلّه على مكانه، فاستخرجه، فقام كأنما أنشط من عقال، وكان غاية هذا السحر فيه إنما هو في جسده، وظاهر جوارحه، لا على عقله وقلبه، ولذلك لم يكن يعتقد صحة ما يخيل إليه من إتيان النساء، بل يعلم أنه خيال لا حقيقة له، ومثل هذا قد يحدث من بعض الأمراض، والله أعلم. انتهى كلام ابن القيّم رحمه الله (١)، وهو بحث نفيسٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في حكم السحر:

قد استُدِل بقوله تعالى: {وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ} الآية: على أن السحر كفر، ومتعلمه كافر، قال الحافظ: وهو واضح في بعض أنواعه التي قدّمتها، وهو التعبد للشياطين، أو للكواكب، وأما


(١) "زاد المعاد" ٤/ ١١٣.