النوع الآخر الذي هو من باب الشعوذة، فلا يكفر به مَنْ تعلَّمه أصلًا.
وقال النوويّ: عمل السحر حرام، وهو من الكبائر بالإجماع، وقد عدّه النبيّ - صلى الله عليه وسلم - من السبع الموبقات، ومنه ما يكون كفرًا، ومنه ما لا يكون كفرًا، بل معصيةً كبيرةً، فإن كان فيه قول، أو فعل يقتضي الكفر فهو كفر، وإلا فلا، وأما تعلمه وتعليمه فحرام، فإن كان فيه ما يقتضي الكفر كَفَرَ، وإلا فلا، دماذا لم يكن فيه ما يقتضي الكفر عُزِّر، واستتيب منه، ولا يُقتل عندنا، فإن تاب قُبلت توبته.
وقال مالك: الساحر كافر يُقتل بالسحر، ولا يستتاب، ولا تُقبل توبته، بل يتحتم قتله، والمسألة مبنية على الخلاف في قبول توبة الزنديق؛ لأن الساحر عنده كافر، كما ذكرنا، وعندنا ليس بكافر، وعندنا تقبل توبة المنافق والزنديق.
قال القاضي عياض: وبقول مالك قال أحمد بن حنبل، وهو مروي عن جماعة من الصحابة والتابعين.
قال الشافعيّة: فإذا قَتَل الساحر بسحره إنسانًا، واعترف أنه مات بسحره، وأنه يَقتل غالبًا لزمه القصاص، وإن قال: مات به، ولكنه قد يَقتل، وقد لا، فلا قصاص، وتجب الدية والكفارة، وتكون الدية في ماله، لا على عاقلته؛ لأن العاقلة لا تحمل ما ثبت باعتراف الجاني، قالوا: ولا يُتصور القتل بالسحر بالبينة، وإنما يُتصور باعتراف الساحر، والله أعلم. انتهى (١).
وقال في "الفتح": وقد أجاز بعض العلماء تعلّم السحر لأحد أمرين: إما لتمييز ما فيه كفر من غيره، وإما لإزالته عمن وقع فيه، فأما الأول: فلا محذور فيه، إلا من جهة الاعتقاد، فماذا سَلِم الاعتقاد، فمعرفة الشيء بمجرده لا تستلزم منعًا، كمن يعرف كيفية عبادة أهل الأوثان للأوثان؛ لأن كيفية ما يعمله الساحر إنما هي حكاية قول، أو فعل، بخلاف تعاطيه، والعمل به، وأما الثاني: فإن كان لا يتم كما زعم بعضهم إلا بنوع من أنواع الكفر، أو الفسق، فلا يحلّ أصلًا، وإلا جاز للمعنى المذكور، وهذا فَصْل الخطاب في هذه المسألة. انتهى