للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اللديغ، والمريض، وسائر أصحاب الأسقام، والعاهات. انتهى (١).

وقال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: قوله: "وما أدراك أنَّها رقية؟! "؛ أي: أيُّ شيء أعلمك: أنَّها رقية؟! قاله تعجبًا من وقوعه على الرُّقى بها، ولذلك تبسَّم النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عند قوله: "وما أدراك أنَّها رقية؟! "، وكأنّ هذا الرجل عَلِم أن هذه السورة قد خصَّت بأمور: منها: أنَّها فاتحة الكتاب، ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن؛ من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله - عَزَّ وَجَلَّ - بأوصاف كماله، وجلاله، وعلى الأمر بالعبادات، والإخلاص فيها، والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلَّا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إلى الله تعالى في الهداية إلى الصراط المستقيم، وكفاية أحوال الناكثين، وعلى بيان عاقبة الجاحدين، وقد رَوَى الدارقطنيّ من حديث أبي سعيد الخدريّ - رضي الله عنه - مرفوعًا، وفيه: فقال: "وما يدريك أنَّها رقية؟!، فقلت: يا رسول الله! شيء أُلْقِي في رُوعي، قال: فكلوا، وأطعمونا من الغنم" (٢).

وقيل: إن موضع الرُّقية منها إنما هو: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥) قال القرطبيّ: ويظهر لي أن السُّورة كلها موضع الرُّقية؛ لِمَا ذكرناه، ولقوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "وما أدراك أنَّها رقية؟ "، ولم يقل: أن فيها رقية. انتهى كلام القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ - (٣)، وهو بحث نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

ووقع في البخاريّ بلفظ: "وما يدريك أنَّها رُقية؟ " بصيغة المضارع، قال في "الفتح": قال الداوديّ: معناه: وما أدراك، وقد رُوي كذلك، ولعله هو المحفوظ؛ لأنَّ ابن عيينة قال: إذا قال: وما يدريك، فلم يُعْلِم، وإذا قال: وما أدراك، فقد أَعْلَم.

وتعقبه ابن التين بأن ابن عيينة إنما قال ذلك فيما وقع في القرآن، وإلَّا فلا فرق بينهما في اللغة؛ أي: في نفي الدراية.

وقد وقع في رواية هشيم: "وما أدراك"، ونحوه في رواية الأعمش.

وفي رواية معبد بن سيرين الآتية: "وما كان يدريه"، وهي كلمة تقال عند


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٨٨.
(٢) "سنن الدارقطنيّ" ٣/ ٦٣ - ٦٤.
(٣) "المفهم" ٥/ ٥٨٥ - ٥٨٦.