للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والصفات، والمعاد، والنبوات، وتزكية النفوس، وإصلاح القلوب، وذِكر عدل الله، وإحسانه، والردّ على جميع أهل البدع، والباطل، كما ذكرنا ذلك في كتابنا الكبير "شرح مدارج السالكين"، وحقيق بسورة هذا بعض شأنها أن يُستشفى بها من الأدواء، ويرْقَى بها اللديغ.

وبالجملة فما تضمنته الفاتحة من إخلاص العبودية، والثناء على الله، وتفويض الأمر كله إليه، والاستعانة به، والتوكل عليه، وسؤاله مجامع النعم كلها، وهي الهداية التي تجلب (١) النِّعم، وتدفع النِّقَم، من أعظم الأدوية الشافية الكافية.

وقد قيل: إن موضع الرقية منها: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} ولا ريب أن هاتين الكلمتين من أقوى أجزاء هذا الدواء، فإن فيهما من عموم التفويض، والتوكل، والالتجاء، والاستعانة، والافتقار، والطلب، والجمع بين أعلى الغايات، وهي عبادة الربّ وحده، وأشرف الوسائل، وهي الاستعانة به على عبادته، ما ليس في غيرها، ولقد مَرَّ بي وقتٌ بمكة سَقِمت فيه، وفقدت الطبيب، والدواء، فكنت أتعالج بها، آخُذ شربة من ماء زمزم، وأقرؤها عليها مرارًا، ثم أشربه، فوجدت بذلك البرء التامّ، ثم صرت أعتمد ذلك عند كثير من الأوجاع، فأنتفع بها غاية الانتفاع. انتهى كلام ابن القيِّم - رَحِمَهُ اللهُ - (٢)، وهو بحث نفيسٌ، وتحقيقٌ أنيسٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الخامسة): قال الإمام ابن القيّم - رَحِمَهُ اللهُ - أيضًا: وفي تأثير الرُّقَى بالفاتحة، وغيرها في علاج ذوات السموم سرّ بديعٌ، فإن ذوات السموم أثّرت بكيفيات نفوسها الخبيثة، كما تقدم، وسلاحُها حُماتُها التي تلدغ بها، وهي لا تلدغ حتى تغضب، فإذا غَضِبت ثار فيها السمّ، فتقذفه بآلتها، وقد جعل الله - سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى - لكل داء دواءُ، ولكل شيء ضدًّا، ونفس الراقي تفعل في نفس الْمَرْقِيّ، فيقع بين نفسيهما فعلٌ وانفعال، كما يقع بين الداء والدواء، فتقوى نفس الراقي، وقوته بالرقية على ذلك الداء، فيدفعه بإذن الله تعالى، ومدار تأثير الأدوية والأدواء على الفعل والانفعال، وهو كما يقع بين الداء والدواء الطبيعيين، يقع


(١) من بابي ضرب، ونصر.
(٢) "زاد المعاد" ٤/ ١٦٢.