للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

(المسألة السادسة): في اختلاف أهل العلم في جواز أخذ الأجرة على الرُّقَى، وتعليم القرآن:

قال القرطبيّ - رَحِمَهُ اللهُ -: في الحديث أعظم دليل لمن يقول بجواز الأجرة على الرُّقى، والطب، وهو قول مالك، والشافعيّ، وأبي حنيفة، وأصحابه، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور، وجماعة من السَّلف، والخلف.

وأمَّا الأجرة على تعليم القرآن: فأجازها الجمهور من السلف والخلف، متمسِّكين بهذا الحديث، وما زاد فيه البخاريّ من حديث ابن عباس - رضي الله عنهما -: أن النبيّ - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قال: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"، وهذا يُلحق بالنُّصوص، وقد حرّم أبو حنيفة أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وكذلك أصحابه، تمسُّكًا بأمرين:

أحدهما: أن تعلم القرآن وتعليمه واجبٌ من الواجبات التي تحتاج إلى نيَّة التقرُّب، والإخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة، والصيام.

وثانيهما: ما رواه أبو داود من حديث عُبادة بن الصامت - رضي الله عنه - قال: علَّمت ناسًا من أهل الصُّفة الكتاب والقرآن، وأهدى إليَّ رجل منهم قوسًا، فقلت: ليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله، فلآتينَّ رسول الله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فلأسالنَّه، فأتيته، فسألته، فقال: "إن كنت تحب أن تطوَّق قوسًا من نار فاقبلها".

وللجمهور أن يقولوا: لا نسلِّم صحة ذلك القياس؛ لأنَّه فاسد الوضع؛ لأنَّه في مقابلة قوله - صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: "إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"، وهو عمومٌ قويّ، وظاهرٌ جليّ.

والجواب عن القياس أنه لا يصح للفرق الذي بين الفرع والأصل، سلَّمنا لكن بينهما فرق وهو أن الصوم والصلاة عبادات خاصَّة بالفاعل، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم، فتجوز الأجرة على محاولة النقل، كتعليم كتابة القرآن.

وأمَّا الجواب عن الحديث بعد تسليم صحته، فالقول بموجَبِه؛ لأنَّ تعليم عُبادة لَمْ تكن بإجارةٍ، ولا جُعْل، وإنما علَّم لله تعالى تطوعًا، لا لغيره، ومن كان كذلك حَرُم عليه أخذ العِوَض على ما فعله لله تعالى؛ لأنَّه ربما يفسد