للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

عمله، ويأكل مالًا بالباطل. انتهى (١).

وقال في "الفتح": استَدَلّ به للجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وخالف الحنفية، فمنعوه في التعليم، وأجازوه في الرُّقَى، كالدواء، قالوا: لأنَّ تعليم القرآن عبادة، والأجر فيه على الله، وهو القياس في الرُّقَى إلَّا أنهم أجازوه فيها؛ لهذا الخبر، وحَمَل بعضهم الأجر في هذا الحديث على الثواب، وسياق القصّة التي في الحديث يأبى هذا التأويل.

وادَّعَى بعضهم نَسْخه بالأحاديث الواردة في الوعيد على أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وقد رواها أبو داود، وغيره.

وتُعُقّب بأنه إثبات للنسخ بالاحتمال، وهو مردود، وبأن الأحاديث ليس فيها تصريح بالمنع على الإطلاق، بل هي وقائع أحوال، محتملةٌ للتأويل؛ لِتُوافق الأحاديث الصحيحة، كحديث الباب، وبأن الأحاديث المذكورة أيضًا ليس فيها ما تقوم به الحجة، فلا تعارض الأحاديث الصحيحة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قد تبيّن بما سبق من بيان أقوال أهل العلم، وأدلّتهم في مسألة أخذ الأجرة على الرُّقَى، وعلى تعليم القرآن أن الحق هو قول الجمهور، وهو الجواز؛ للأحاديث الصحيحة الكثيرة، وأصرحها، وأصحّها حديث ابن عبّاس - رضي الله عنهما - مرفوعًا: "إن أحقّ ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله"، فهو عامّ صريحٌ في الموضوع، وأما ما استدلّ به المانعون من حديث عبادة بن الصامت - رضي الله عنه - المتقدّم، فلا يصلح معارضًا لهذا الصحيح الصريح؛ لأنَّ في سنده الأسود بن ثعلبة، وهو مجهول، وكذلك الأحاديث الأخرى، وقد ذكرها صاحب "التكملة" (٣)، فكلّها فيها مقال؛ وعلى تقدير صحّتها فهي قابلة للتأويل، كما سبق عن الحافظ - رَحِمَهُ اللهُ -.

والحاصل أن أخذ الأجرة على التعليم جائز، وإن كان الأَولى للمسلم أن يحتسب في ذلك؛ لِمَا فيه من الفضل العظيم؛ فإنه ينال به الخيريّة عند الله - عَزَّ وَجَلَّ -،


(١) "المفهم" ٥/ ٥٨٨ - ٥٨٩.
(٢) "الفتح" ٦/ ٤٦ - ٤٧، كتاب "الإجارة" رقم (٢٢٧٦).
(٣) راجع: "تكملة فتح الملهم" ٤/ ٣٢٩ - ٣٣٠.