للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

رسول الله! أرأيت رُقًى نسترقيها، ودواء نتداوى به، وتقاة نتقيها، هل ترُدّ من قدر الله شيئا؟ فقال: "هي من قدر الله" (١).

قال: فقد تضمنت هذه الأحاديث إثبات الأسباب والمسببات، وابطال قول من أنكرها، ويجوز أن يكون قوله: "لكل داء دواء" على عمومه، حتى يتناول الأدواء القاتلة، والأدواء التي لا يمكن لطبيب أن يبرئها، ويكون الله -عزّ وجلّ- قد جعل لها أدوية تبرئها، ولكن طَوَى علمها عن البشر، ولم يجعل لهم إليه سبيلًا؛ لأنه لا علم للخلق إلا ما علّمهم الله، ولهذا عَلَّق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- الشفاء على مصادفة الدواء للداء، فإنه لا شيء من المخلوقات إلا له ضدّ، وكل داء له ضدّ من الدواء، يعالج بضدّه، فعلّق النبيّ -صلى الله عليه وسلم- البرء بموافقة الداء للدواء، وهذا قدر زائد على مجرد وجوده، فإن الدواء متى جاوز درجة الداء في الكيفية، أو زاد في الكمية على ما ينبغي، نَقَلَهُ إلى داء آخر، ومتى قصر عنها لم يف بمقاومته، وكان العلاج قاصرًا، ومتى لم يقع المداوي على الدواء، أو لم يقع الدواء على الداء لم يحصل الشفاء، ومتى لم يكن الزمان صالِحًا لذلك الدواء لم ينفع، ومتى كان البدن غير قابل له، أو القوّة عاجزة عن حمله، أو ثَمّ مانع يمنع من تأثيره لم يحصل البرء؛ لعدم المصادفة، ومتى تمَّت المصادفة حصل البرء بإذن الله تعالى، ولا بدّ، وهذا أحسن المَحْمَلَين في الحديث.

والثاني: أن يكون من العامّ المراد به الخاصّ، لا سيما والداخل في اللفظ أضعاف أضعاف الخارج منه، وهذا يستعمل في كل لسان، ويكون المراد: أن الله لم يضع داء يقبل الدواء إلا وضع له دواء، فلا يدخل في هذا الأدواءُ التي لا تقبل الدواء، وهذا كقوله تعالى في الريح التي سلطها على قوم عاد: {تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّهَا} [الأحقاف: ٢٥]؛ أي: كل شيء يقبل التدمير، ومن شأن الريح أن تدمّره، ونظائره كثيرة.

ومن تأمل خلق الأضداد في هذا العالم، ومقاومة بعضها لبعض، ودَفْع بعضها ببعض، وتسليط بعضها على بعض، تبيَّن له كمال قدرة الرب تعالى،


(١) أخرجه أحمد، والترمذيّ، والحاكم، وابن ماجه، وفي سنده مجهول، وفي الباب عن حكيم بن حزام عند الحاكم ٤/ ١٩٩، وصححه، ووافقه الذهبيّ.