للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال ابن عبد البرّ: هذا كله قد نزع به، أو ببعضه من قصد إلى الردّ على القول الأول، والذي أقول به: إنه قد كان من خيار هذه الأمة، وسلفها، وعلمائها، قوم يصبرون على الأمراض، حتى يكشفها الله، ومعهم الأطباء، فلم يعابوا بترك المعالجة، ولو كانت المعالجة سُنَّة من السنن الواجبة، لكان الذمّ قد لَحِقَ مَن تَرَك الاسترقاء، والتداوي، وهذا لا نعلم أحدًا قاله، ولكان أهل البادية، والمواضع النائية عن الأطباء، قد دخل عليهم النقص في دينهم؛ لتركهم ذلك، وإنما التداوي -والله أعلم- مباح على ما قدمنا؛ لميل النفوس إليه، وسكونها نحوه: {لِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ} [الرعد: ٣٨]، لا أنه سُنّة، ولا أنه واجب، ولا أن العلم بذلك علم موثوق به، لا يخالف، بل هو خطر، وتجربة، موقوفة على القدر، والله نسأله العصمة والتوفيق.

وعلى إباحة التداوي، والاسترقاء، جمهور العلماء، وقد رخصوا أن يداوي الرجال عند الاضطرار النساءَ على سبيل السترة والاحتياط. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله- (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.

(المسألة الخامسة): قال الإمام المحقّق ابن القيّم -رحمه الله- بعد أن أورد حديث مسلم هذا، وذَكَر حديث "الصحيحين" عن عطاء، عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "ما أنزل الله من داء، إلا أنزل له شفاء"، وفي "مسند الإمام أحمد" بإسناد صحيح: من حديث زياد بن عِلاقة، عن أسامة بن شريك، قال: كنت عند النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وجاءت الأعراب، فقالوا: يا رسول الله! أنتداوى؟ فقال: "نعم يا عباد الله تداووا، فإن الله لم يضع داءً، إلا وضع له شفاءً، غير داء واحد"، قالوا: ما هو؟ قال: "الهرم".

وفي لفظ: "إن الله لم ينزل داء إلا أنزل له شفاء، عَلِمه من عَلِمه، وجَهِله من جهله".

وفي "المسند" بإسناد صحيح: من حديث ابن مسعود -رضي الله عنه- يرفعه: "إن الله -عزّ وجلّ- لم ينزل داء، إلا أنزل له شفاء، علمه من علمه، وجهله من جهله"، وفي "المسند" أيضًا و"السنن": عن أبي خِزامة قال: قلت: يا


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٥/ ٢٨٠.