للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

غايةً؛ لعدم قيام الساعة، فيقتضي أنها إذا طَلَعَت كذلك انتفى عدم القيام، فثبت القيام، قاله في "الفتح" (١).

(فَإِذَا طَلَعَتْ مِنْ مَغْرِبِهَا، آمَنَ النَّاسُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ) وفي رواية أبي زرعة، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - عند البخاريّ في "التفسير": "فإذا رآها الناس آمَنَ مَن عليها"، أي: على الأرض من الناس (فَيَوْمَئِذٍ) وفي رواية للبخاري: "فذاك حين" ({لَا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا} الآية [الأنعام: ١٥٨]) قال الإمام ابن جرير الطبريّ رحمه الله: معنى الآية: لا ينفع كافرًا لم يكن آمن قبل الطلوع إيمانٌ بعد الطلوع، ولا ينفع مؤمنًا لم يكن عَمِل صالحًا قبل الطلوع عَمَلٌ صالحٌ بعد الطلوع؛ لأن حكم الإيمان، والعمل الصالح حينئذ حكمُ مَن آمن، أو عَمِل عند الغَرْغَرَة، وذلك لا يفيد شيئًا، كما قال تعالى: {فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا} الآية [غافر: ٨٥]، وكما ثبت في الحديث الصحيح: "تُقبَل توبةُ العبد ما لم يبلغ الغرغرة" (٢).

وقال ابن عطية وغيره ما حاصله: معنى الآية أن الكافر لا ينفعه إيمانه بعد طلوع الشمس من المغرب، وكذلك العاصي لا تنفعه توبته، ومن لم يعمل صالحًا من قبلُ، ولو كان مؤمنًا لا ينفعه العمل بعد طلوعها من المغرب.

وقال القاضي عياض رحمه الله: المعنى لا تنفع توبةٌ بعد ذلك، بل يُختم على عمل كلِّ أحد بالحالة التي هو عليها.

والحكمة في ذلك أن هذا أولُ ابتداء قيام الساعة بتغير العالم العلويّ، فإذا شوهد ذلك حصل الإيمان الضروريّ بالمعاينة، وارتفع الإيمان بالغيب، فهو كالإيمان عند الغرغرة، وهو لا ينفع، فالمشاهدة لطلوع الشممس من المغرب مثله.

وقال القرطبيّ في "التذكرة" بعد أن ذكر هذا: فعلى هذا، فتوبة من شاهد


(١) "الفتح" ١١/ ٣٦٠ "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٠٦).
(٢) حديث حسنٌ، أخرجه أحمد (٥٨٨٥)، والترمذيّ (٣٤٦٠)، وابن ماجه (٤٢٤٣)، عن ابن عمر - رضي الله عنهما - مرفوعًا بلفظ: "إن الله يقبل توبة العبد، ما لم يُغَرْغِر"، وقال الترمذيّ: حديث حسنٌ غريب.