ذلك، أو كان كالمشاهد له مردودةٌ، فلو امتدت أيام الدنيا بعد ذلك إلى أن ينسى هذا الأمر، أو ينقطع تواتره، ويصير الخبر عنه آحادًا، فمن أسلم حينئذ، أو تاب قُبِل منه، وأَيَّد ذلك بأنه رُوي أن الشمس والقمر يُكْسَيان الضوء بعد ذلك، ويطلعان، ويغربان من المشرق، كما كانا قبل ذلك.
قال: وذكر أبو الليث السمرقنديّ في "تفسيره" عن عمران بن حُصين قال: إنما لا يُقبل الإيمان والتوبة وقت الطلوع، لأنه يكون حينئذ صيحة، فيهلك بها كثير من الناس، فمن أسلم، أو تاب في ذلك الوقت لم تقبل توبته، ومن تاب بعد ذلك قبلت توبته.
قال الجامع عفا الله عنه: هكذا نقل في "الفتح"(١) هذا القول عن القرطبيّ، وسكت عليه، وعندي أنه محلّ نظر، فأين الدليل على قبول التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها؟، وما ذكره من طلوعهما وغروبهما بعد ذلك كعادتهما ليس فيه دلالة على القبول المزعوم، وما ذكره أبو الليث عن عمران بن حصين - رضي الله عنهما - يحتاج إلى ثبوته، فتبصر، والله تعالى أعلم.
وقال ابن عطية رحمه الله: في هذا الحديث دليلٌ على أن المراد بالبعض في قوله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ}[الأنعام: ١٥٨] طلوعُ الشمس من المغرب، وإلى ذلك ذهب الجمهور، وأسند الطبريّ عن ابن مسعود، أن المراد بالبعض إحدى ثلاث: هذه، أو خروج الدابة، أو الدجال، قال: وفيه نظرٌ؛ لأن نزول عيسى ابن مريم، يَعْقُبُ خروج الدجال، وعيسى لا يَقْبَل إلا الإيمان، فانتفى أن يكون بخروج الدجال لا يُقْبَل الإيمان ولا التوبة. انتهى.
لكن يأتي عند المصنّف في الحديث التالي من طريق أبي حازم، عن أبي هريرة، مرفوعًا:"ثلاثٌ إذا خَرَجن لم ينفع نفسًا إيمانها، لم تكن آمنت من قبل: طلوعُ الشمس من مغربها، والدجال، ودابة الأرض".
قيل: فلعل حصول ذلك يكون متتابعًا، بحيث تَبْقى النسبة إلى الأول منها مجازية، وهذا بعيدٌ؛ لان مُدّة لَبث الدجال إلى أن يقتله عيسى، ثم لبث عيسى، وخروج يأجوج ومأجوج، كل ذلك سابق على طلوع الشمس من
(١) راجع: "الفتح" ١١/ ٣٦١ "كتاب الرقاق" رقم (٦٥٠٦).