للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

منها، وهذه الكيفيات الأربع منها كيفيتان فاعلتان: وهما الحرارة، والبرودة، وكيفيتان منفعلتان، وهما الرطوبة، واليبوسة، ويلزم من غلبة إحدى الكيفيتين الفاعلتين استصحاب كيفية منفعلة معها، وكذلك كان لكل واحد من الأخلاط الموجودة في البدن، وسائر المركبات كيفيتان: فاعلة، ومنفعلة، فحصل من ذلك أن أصل الأمراض المزاجية هي التابعة لأقوى كيفيات الأخلاط التي هي الحرارة والبرودة، فجاء كلام النبوة في أصل معالجة الأمراض التي هي الحارّة والباردة على طريق التمثيل، فإن كان المرض حارًّا عالجناه بإخراج الدم بالفصد كان، أو بالحجامة؛ لأن في ذلك استفراغًا للمادة، وتبريدًا للمزاج، وإن كان باردًا عالجناه بالتسخين، وذلك موجود في العسل، فإن كان يحتاج مع ذلك إلى استفراغ المادّة الباردة، فالعسل أيضًا يفعل في ذلك؛ لِمَا فيه من الإنضاج، والتقطيع، والتلطيف، والجلاء، والتليين، فيحصل بذلك استفراغ تلك المادّة برفق، وأَمْن، من نكاية المسهلات القوية.

وأما الكيّ: فلأن كل واحد من الأمراض الماديّة، إما أن يكون حادًّا، فيكون سريع الإفضاء لأحد الطرفين، فلا يحتاج إليه فيه، وإما أن يكون مُزمنًا، وأفضل علاجه بعد الاستفراغ الكيّ في الأعضاء التي يجوز فيها الكيّ؛ لأنه لا يكون مُزمنًا إلا عن مادّة باردة غليظة، قد رسخت في العضو، وأفسدت مزاجه، وأحالت جميع ما يصل إليه إلى مشابهة جوهرها، فيشتعل في ذلك العضو، فيستخرج بالكيّ تلك المادّة من ذلك المكان الذي هو فيه بإفناء الجزء الناريّ الموجود بالكيّ لتلك المادّة.

فتعلَّمنا بهذا الحديث الشريف أَخْذَ معالجة الأمراض الماديّة جميعها، كما استنبطنا معالجة الأمراض الساذجة من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "إن شدة الْحُمَّى من فيح جهنم، فأبردوها بالماء".

فصل: وأما الحجامة ففي "سنن ابن ماجه" من حديث جُبَارة بن الْمُغَلِّس -وهو ضعيف (١) - عن كَثير بن سُليم، قال: سمعت أنس بن مالك -رضي الله عنه- يقول:


(١) وشيخه كثير أيضًا ضعيف.