للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

والإنضاج، والتقطيع، والتلطيف، والجلاء، والتليين، فيحصل بذلك استفراغ المادّة برفق.

وأما الكيّ فخاص بالمرض المزمن؛ لأنه يكون عن مادّة باردة، فقد تفسد مزاج العضو، فإذا كُوِي خرجت منه.

وأما الأمراض التي ليست بماديّة، فقد أشير إلى علاجها بحديث: "الْحُمَّى من فَيْحِ جهنم، فأبردوها بالماء". انتهى ما في "الفتح" (١)، وهو بحثٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): كتب الإمام ابن القيّم -رحمه الله- بحثًا طويلًا في الحجامة، أحببت إيراده هنا، وإن كان كثير منه تقدّم إلا أن فيه زوائد مهمةً، قال -رحمه الله-:

فصل: في هديه -صلى الله عليه وسلم- في العلاج بشرب العسل، والحجامة، والكيّ:

في "صحيح البخاريّ": عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- قال: "الشفاء في ثلاث: شَربة عسل، وشَرطة محجم، وكيّة نار، وأنا أنهى أمتي عن الكيّ".

قال أبو عبد الله المازريّ: الأمراض الامتلائية: إما أن تكون دموية، أو صفراوية، أو بلغمية، أو سوداوية، فإن كانت دموية فشفاؤها إخراج الدم، وإن كانت من الأقسام الثلاثة الباقية، فشفاؤها بالإسهال الذي يليق بكل خلط منها، وكأنه -صلى الله عليه وسلم- نبّه بالعسل على المسهلات، وبالحجامة على الفصد، وقد قال بعض الناس: إن الفصد يدخل في قوله: "شَرطة محجم"، فإذا أعيا الدواء فآخر الطبّ الكيّ، فذَكَره -صلى الله عليه وسلم- في الأدوية؛ لأنه يُستعمل عند غلبة الطباع لقوى الأدوية، وحيث لا ينفع الدواء المشروب، وقوله: "وأنا أنهى أمتي عن الكيّ"، وفي الحديث الآخر: "وما أحب أن أكتوي" إشارة إلى أن يؤخر العلاج به، حتى تدفع الضرورة إليه، ولا يعجل التداوي به؛ لِمَا فيه من استعجال الألم الشديد في دَفْع ألم قد يكون أضعف من ألم الكيّ. انتهى كلامه.

وقال بعض الأطباء: الأمراض المزاجية: إما أن تكون بمادة، أو بغير مادة، والمادية منها: إما حارّة، أو باردة، أو رطبة، أو يابسة، أو ما تركَّب


(١) "الفتح" ١٣/ ٦٢ - ٦٣، كتاب "الطبّ" رقم (٥٦٨٠).