للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الكيّ على ما إذا أمكن أن يُستَغنَى عنه بغيره من الأدوية، فمن فعله في محله، وعلى شرطه لم يكن ذلك مكروهًا في حقّه، ولا مُنقصًا له من فضله، ويجوز أن يكون من السَّبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب، كيف لا؟ وقد كوى النبيّ -صلى الله عليه وسلم- سعد بن معاذ الذي اهتز له عرش الرَّحمن، وأُبي بن كعب المخصوص بأنه أقرأ الأمَّة للقرآن، وقد اكتوى عمران بن حصين، فمن اعتقد أن هؤلاء لا يصلحون أن يكونوا من السبعين ألفًا؛ ففساد كلامه لا يخفى، وعلى هذا البحث فيكون قوله في السبعين ألفًا: "أنهم هم الذين لا يكتوون" إنما يعني به: الذي يكتوي وهو يجد عنه غنى. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: هكذا قرّر القرطبيّ -رحمه الله-، وفي بعض ما قاله نظر، والله تعالى أعلم.

[تنبيه]: ساق الترمذيّ -رحمه الله- قصة سعد بن معاذ -رضي الله عنه- هذه مطوّلةً في "جامعه"، فقال:

(١٥٨٢) - حدّثنا قتيبة، حدّثنا الليث، عن أبي الزبير، عن جابر، أنه قال: رُمي يوم الأحزاب سعد بن معاذ، فقطعوا أكحله، أو أبجله، فحسمه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالنار، فانتفخت يده، فتركه، فنزفه الدم، فحسمه أخرى، فانتفخت يده، فلما رأى ذلك قال: اللهم لا تُخرج نفسي، حتى تُقِرّ عيني من بني قريظة، فاستمسك عِرْقُه، فما قطر قطرة، حتى نزلوا على حكم سعد بن معاذ، فأرسل إليه، فحَكَم أن يُقتل رجالهم، ويُستحيى نساؤهم، يستعين بهنّ المسلمون، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أصبت حكم الله فيهم"، وكانوا أربعمائة، فلمّا فرغ من قتلهم انفتق عِرْقه فمات، قال أبو عيسى: هذا حديث حسنٌ صحيحٌ. انتهى (٢).

وساقها الطبرانيّ في "المعجم الكبير" بأطول من هذا، فقال:

(٥٣٢٧) - حدّثنا محمد بن عمرو بن خالد الحرانيّ، حدّثني أبي، ثنا ابن لَهِيعة، عن أبي الأسود، عن عروة، أن سعد بن معاذ -رضي الله عنه- رُمِي يوم الخندق رَمْيةً، فقُطعت الأكحل من عضده، فزعموا أنه رماه حِبّان بن قيس، أحد بني


(١) "المفهم" ٥/ ٥٩٧ - ٥٩٨.
(٢) "جامع الترمذيّ" ٤/ ١٤٤.