للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ابن القاسم، عن مالك، وهذا ثاني حديث عَثَرت عليه في "تقريب الأسانيد" لشيخنا -عفا الله تعالى عنه- من هذا الجنس، وقد نبهت عليه نصيحةً لله تعالى، والله أعلم.

وقد أخرجه الدارقطنيّ، والإسماعيليّ من رواية حرملة، عن الشافعيّ، وأخرجه الدارقطنيّ من طريق سعيد بن عُفير، ومن طريق سعيد بن داود، ولم يخرجه ابن عبد البرّ في "التمهيد"؛ لأنه ليس في رواية يحيى بن يحيى الليثيّ، والله أعلم. انتهى (١).

(عَنِ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم-) أنه (قَالَ: "الْحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ) -بفتح الفاء، وسكون التحتانية، بعدها مهملة- في حديث رافع: "من فوح" بالواو، وفي حديث له بلفظ: "فور" بالراء بدل الحاء، وكلها بمعنى، والمراد: سُطوع حَرّها، ووَهَجُهُ، والحمّى أنواع، كما سيأتي تحقيقه.

وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: قوله: "من فيح جهنَّم أي: شدَّة حرارتها، وأصله من فاحت القِدْر: إذا غَلَت، وقد يعبَّر عنه بالفور؛ كما جاء في الرواية الأخرى، ولفحُ النَّار: إصابة شدَّة حرارتها، وجهنم: اسم عَلَمٌ من أسماء نار الآخرة؛ مؤنث، ولذلك لم ينصرف، وقد تقدم اشتقاقه. انتهى (٢).

وقال ابن القيّم -رحمه اللهُ-: قوله: "من فيح جهنم" هو شدّة لَهَبها، وانتشارها، ونظيره قوله: "شدة الحر من فيح جهنم"، وفيه وجهان:

أحدهما: أن ذلك أنموذج، ورقيقة اشتُقّت من جهنم؛ ليستدل بها العباد عليها، ويعتبروا بها، ثم إن الله سبحانه قدّر ظهورها بأسباب تقتضيها، كما أن الرَّوْح، والفرح، والسرور، واللذة من نعيم الجنة أظهرها الله في هذه الدار عبرةً، ودلالةً، وقدّر ظهورها بأسباب توجبها.

والثاني: أن يكون المراد التشبيه، فشبّه شدة الحمى، ولهبها بفيح جهنم، وشبه شدة الحرّ به أيضًا؛ تنبيهًا للنفوس على شدة عذاب النار، وأن هذه


(١) "الفتح" ١٣/ ١٢٢ - ١٢٣، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٣).
(٢) "المفهم" ٥/ ٥٩٩.