للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحرارة العظيمة مشبهة بفيحها، وهو ما يصيب من قَرُب منها من حرّها. انتهى (١).

وقال في "الفتح": واختُلِف في نسبة الحمّى إلى جهنم، فقيل: حقيقةٌ، واللهب الحاصل في جسم المحموم قطعة من جهنم، وقَدّر الله ظهورها بأسباب تقتضيها؛ ليعتبر العباد بذلك، كما أن أنواع الفَرَح واللذة من نعيم الجنة، أظهَرَها في هذه الدار عبرةً، ودلالةً، وقد جاء في حديث أخرجه البزار، من حديث عائشة -رضي الله عنها-، بسند حسنٍ وفيه: عن أبي أمامة، عند أحمد، وعن أبي رَيحانة، عند الطبرانيّ، وعن ابن مسعود، في "مسند الشهاب": "الحمى حَظّ المؤمن من النار"، وهذا كما تقدم في حديث الأمر بالإبراد: "إن شدة الحر من فيح جهنم، وأن الله أَذِن لها بنَفَسين".

وقيل: بل الخبر ورد مورد التشبيه، والمعنى: أن حَرّ الحمّى شبيه بحرّ جهنم؛ تنبيهًا للنفوس على شدة حر النار، وأن هذه الحرارة الشديدة شبيهة بفيحها، وهو ما يصيب مَن قَرُب منها من حرّها، كما قيل بذلك في حديث الإبراد، والأول أَولى، والله أعلم، ويؤيده ما في آخر الحديث عند البخاريّ: "قال نافع: وكان عبد الله يقول: اكشف عنّا الرجز"، أفاده في "الفتح" (٢)، وهو تحقيقٌ نفيسٌ جدًّا، والله تعالى أعلم.

(فَابْرُدُوهَا) قال في "الفتح": المشهور في ضَبْطها بهمزة وصل، والراء مضمومة، وحُكِيَ كسرها، يقال: بَرَدتُ الحمَّى أَبرُدُها بَرْدًا، بوزن قَتَلتها أقتُلُها قَتْلًا؛ أي: أسكنت حرارتها، قال شاعر الحماسة [من الطويل]:

إِذَا وَجَدتُ لَهِيبَ الْحُبِّ فِي كَبِدِي … أَقْبَلْتُ نَحْوَ سِقَاءِ الْقَوْمِ أَبْتَرِدُ

هَبْنِي بَرَدْتُ بِبَرْدِ الْمَاءِ ظَاهِرَهُ … فَمَنْ لِنَارٍ عَلَى الأَحْشَاءِ تَتَّقِدُ

وحَكَى عياض روايةً بهمزة قطع مفتوحة، وكسر الراء، من أبرد الشيءَ: إذا عالجه، فصَيَّره باردًا، مثل أسخنه: إذا صيّره سُخْنًا، وقد أشار إليها الخطابيّ، وقال الجوهريّ: إنها لغة رديئة. انتهى (٣).


(١) "زاد المعاد" ٤/ ٢٣.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١٢١، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٣).
(٣) "الفتح" ١٣/ ١٢٢ - ١٢٣، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٣).