والجواب: أن هذا الإشكال صَدَر عن صَدْر مرتاب في صدق الخبر، فيقال له: أوّلًا من أين حَمَلت الأمر على الاغتسال، وليس في الحديث الصحيح بيان الكيفية، فضلًا عن اختصاصها بالغسل، وإنما في الحديث الإرشاد إلى تبريد الحمى بالماء؟ فإن أظهر الوجودُ، أو اقتضت صناعةُ الطبّ أن انغماس كل محموم في الماء أو صبه إياه على جميع بدنه يضرّه، فليس هو المراد، وإنما قَصَد -صلى الله عليه وسلم- استعمال الماء على وجه ينفع، فليُبحث عن ذلك الوجه؛ ليحصل الانتفاع به، وهو كما وقع في أمره العائن بالاغتسال، وأطلق، وقد ظهر من الحديث الآخر أنه لم يُرِد مطلق الاغتسال، وإنما أراد الاغتسال على كيفية مخصوصة.
وأَولى ما يُحْمَل عليه كيفية تبريد الحمى ما صنعته أسماء بنت الصديق -رضي الله عنهما-، فإنها كانت تَرُشّ على بدن المحموم شيئًا من الماء بين يديه، وثوبه، فيكون ذلك من باب النُّشْرة المأذون فيها، والصحابيّ، ولا سيما مثلُ أسماء التي هي ممن كان يلازم بيت النبيّ -صلى الله عليه وسلم- أعلم بالمراد من غيرها، ولعل هذا هو السرّ في إيراد البخاري لحديثها عقب حديث ابن عمر المذكور، وهذا من بديع ترتيبه.
وقال المازريّ: ولا شك أن علم الطب من أكثر العلوم احتياجًا إلى التفصيل، حتى إن المريض يكون الشيء دواءه في ساعة، ثم يصير داء له في الساعة التي تليها؛ لعارض يَعْرِض له من غضب يُحْمِي مزاجه مثلًا، فيتغير علاجه، ومثل ذلك كثير، فإذا فُرِض وجود الشفاء لشخص بشيء في حالةٍ مّا لم يلزم منه وجود الشفاء به له أو لغيره في سائر الأحوال، والأطباء مجمعون على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السنّ، والزمان، والعادة، والغذاء المتقدم، والتأثير المألوف، وقوّة الطباع، ثم ذكر نحو ما تقدم.
قالوا: وعلى تقدير أن يَرِدَ التصريح بالاغتسال في جميع الجسد، فيجاب بأنه يَحْتَمِل أن يكون أراد أنه يقع بعد إقلاع الحمى، وهو بعيد، ويَحْتَمِل أن يكون في وقت مخصوص بعدد مخصوص، فيكون من الخواص التي اطَّلَع -صلى الله عليه وسلم- عليها بالوحي، ويضمحلّ عند ذلك جميع كلام أهل الطبّ. وقد أخرج الترمذيّ من حديث ثوبان مرفوعًا: "إذا أصاب أحدكم