الحمى، وهي قطعة من النار، فليطفئها عنه بالماء، يستنقع في نهر جارٍ، ويستقبل جَرْيَته، وليقل: بسم الله، اللهم اشف عبدك، وصَدِّق رسولك، بعد صلاة الصبح، قبل طلوع الشمس، ولينغمس فيه ثلاث غمسات، ثلاثة أيام، فإن لم يبرأ فخمس، وإلا فسبع، وإلا فتسع، فإنها لا تكاد تجاوز تسعًا، بإذن الله"، قال الترمذيّ: غريبٌ، قال الحافظ: وفي سنده سعيد بن زُرعة، مختلفٌ فيه.
قال: ويَحْتَمِل أن يكون لبعض الحميات دون بعض، في بعض الأماكن دون بعض، لبعض الأشخاص دون بعض، وهذا أوجه، فإن خطابه -صلى الله عليه وسلم- قد يكون عامًّا، وهو الأكثر، وقد يكون خاصًّا، كما قال: "لا تستقبلوا القبلة بغائط، ولا بول، ولكن شرِّقوا، أو غرِّبوا"، فقوله: "شرِّقوا، أو غرِّبوا" ليس عامًّا لجميع أهل الأرض، بل هو خاصّ لمن كان بالمدينة النبوية، وعلى سَمْتها، كما تقدم تقريره في "كتاب الطهارة"، فكذلك هذا يَحْتَمِل أن يكون مخصوصًا بأهل الحجاز، وما والاهم؛ إذ كان أكثر الحميات التي تَعْرض لهم من العرضية الحادثة عن شدّة الحرارة، وهذه ينفعها الماء البارد شربًا، واغتسالًا؛ لأن الحمى حرارة غريبة، تشتعل في القلب، وتنتشر منه بتوسط الروح والدم في العروق، إلى جميع البدن، وهي قسمان: عَرَضية، وهي الحادثة عن وَرَم، أو حركة، أو إصابة حرارة الشمس، أو القيظ الشديد، ونحو ذلك، ومَرَضية، وهي ثلاثة أنواع، وتكون عن مادّة، ثم منها ما يُسَخِّن جميع البدن، فإن كان مبدأ تعلقها بالروح، فهي حمى يوم؛ لأنها تقع غالبًا في يوم، ونهايتها إلى ثلاثة، وإن كان تعلقها بالأعضاء الأصلية، فهي حمى دقّ، وهي أخطرها، وإن كان تعلقها بالأخلاط، سميت عفنية، وهي بعدد الأخلاط الأربعة، وتحت هذه الأنواع المذكورة أصناف كثيرة، بسبب الإفراد، والتركيب.
وإذا تقرر هذا فيجوز أن يكون المراد النوع الأول، فإنها تسكن بالانغماس في الماء البارد، وشرب الماء المبرد بالثلج، وبغيره، ولا يحتاج صاحبها إلى علاج آخر، وقد قال جالينوس في كتاب "حيلة البرء": لو أن شابًّا حسن اللحم، خَصْبَ البدن ليس في أحشائه وَرَمٌ، استَحَمّ بماء بارد، أو سَبَحَ فيه وقت القيظ عند منتهى الحمى، لانتفع بذلك.