وقال أبو بكر الرازيّ: إذا كانت القُوَى قويّة، والحمى حادّة، والنُّضْجُ بَيِّن، ولا وَرَمَ في الجوف، ولا فَتْقَ، فإن الماء البارد ينفع شربه، فإن كان العليل خِصْب البدن، والزمانُ حارًّا، وكان معتادًا باستعمال الماء البارد اغتسالًا، فليُؤْذَن له فيه، وقد نَزَّل ابن القيّم حديث ثوبان على هذه القيود، فقال: هذه الصفة تنفع في فصل الصيف، في البلاد الحارّة، في الحمى العرضية، أو الغِبّ الخالصة التي لا وَرَم معها، ولا شيء من الأعراض الرديئة، والمواد الفاسدة، فيطفئها بإذن الله، فإن الماء في ذلك الوقت أبرد ما يكون لِبُعده عن ملاقاة الشمس، ووفور القُوَى في ذلك الوقت؛ لكونه عقب النوم والسكون، وبرد الهواء، قال: والأيام التي أشار إليها هي التي يقع فيها بحرارة الأمراض الحادّة غالبًا، ولا سيما في البلاد الحارّة، والله أعلم.
قالوا: وقد تكرر في الحديث استعماله -صلى الله عليه وسلم- الماء البارد في علته، كما قال:"صُبُّوا عليّ من سبع قِرَب، لم تُحْلَل أوكيتهن".
وقال سمرة:"كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إذا حُمّ دعا بقِربة من ماء، فأفرغها على قَرْنه، فاغتسل"، أخرجه البزّار، وصححه الحاكم، ولكن في سنده راو ضعيف.
وقال أنس:"إذا حُمّ أحدكم، فلْيَشُنّ عليه من الماء البارد، من السَّحَر، ثلاثَ ليال"، أخرجه الطحاويّ، وأبو نعيم في "الطب"، والطبرانيّ في "الأوسط"، وصححه الحاكم، وسنده قويّ، وله شاهد من حديث أم خالد بنت سعيد، أخرجه الحسن بن سفيان في "مسنده"، وأبو نعيم في "الطب"، من طريقه.
وقال عبد الرحمن بن المرقع، رفعه:"الحمى رائد الموت، وهي سجن الله في الأرض، فبرّدوا لها الماء في الشنان، وصبوه عليكم، فيما بين الأذانين المغرب والعشاء، قال: ففعلوا، فذهب عنهم"، أخرجه الطبرانيّ.
وهذه الأحاديث كلها تَرُدّ التأويل الذي نقله الخطابيّ عن ابن الأنباريّ أنه قال: المراد بقوله: "فأبردوها" الصدقة به، قال ابن القيّم: أظن الذي حَمَل قائلَ هذا أنه أشكل عليه استعمال الماء في الحمى، فعدل إلى هذا، وله وجه حسنٌ؛ لأن الجزاء من جنس العمل، فكأنه لمّا أخمد لهيب العطشان بالماء، أخمد الله لهيب الحمى عنه، ولكن هذا يؤخذ من فقه الحديث، وإشارته، وأما