بقي أحد في البيت إلا لُدّ، ولددنا ميمونة، وهي صائمة.
ومن طريق أبي بكر بن عبد الرحمن، أن أم سلمة، وأسماء بنت عُميس أشارتا بأن يَلُدُّوه.
ورواه عبد الرزاق بإسناد صحيح، عن أسماء بنت عُميس، قالت:"إن أول ما اشتكى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيت ميمونة، فاشتدّ مرضه، حتى أُغمي عليه، فتشاورن في لَدّه، فلَدّوه، فلما أفاق قال: هذا فعل نساء جئن من هنا، وأشار إلى الحبشة، وكانت أسماء منهنّ، فقالوا: كنا نَتّهِم بك ذات الجنب، فقال: ما كان الله ليعذبني به، لا يبقى أحد في البيت إلا التدّ، إلا عمّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ يعني: عبّاسًا، قال: فلقد التدّت ميمونة يومئذ، وهي صائمة".
قال الحافظ: وفي رواية ابن أبي الزناد هذه بيان ضعف ما رواه أبو يعلى، بسند فيه ابن لَهِيعة من وجه آخر، عن عائشة، أن النبيّ -صلى الله عليه وسلم- مات من ذات الجنب، قال: ثم ظهر لي أنه يمكن الجمع بينهما، بأن ذات الجنب تُطلق بإزاء مرضين: أحدهما: وَرَمٌ حارّ يَعْرِض في الغِشَاء المستبطن، والآخر: ريح مُحتقِن بين الأضلاع، فالأول هو المنفيّ هنا.
وقد وقع في رواية الحاكم في "المستدرك": "ذات الجنب من الشيطان"، والثاني هو الذي أُثبت هنا، وليس فيه محذور كالأول. انتهى (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا التفريق الذي ذكره الحافظ فيه نظر لا يخفى، فإنه -صلى الله عليه وسلم- نفى بنصّه الصريح أن لا يسلط الله تعالى عليه ذات الجنب دون تفريق بين نوع ونوع، وهذا ثبت بسند صحيح، وأما حديث موته بذات الجنب، فسنده ضعيف، فلا داعي إلى التكلّف بالجمع بينهما، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
(فَأَشَارَ) -صلى الله عليه وسلم- (أَنْ لَا تَلُدُّونِي) بضمّ اللام، وكسرها. (فَقُلْنَا: كَرَاهِيَةُ الْمَرِيضِ لِلدَّوَاءِ) قال القاضي عياض: ضبطناه بالرفع؛ أي: هذا منه كراهيةُ المريض، وقال أبو البقاء: هو خبر مبتدأ محذوف؛ أي: هذا الامتناع كراهية المريض، وهو معنى ما قاله عياض، ويجوز نصبه على أنه مفعول لأجله؛ أي: