للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

لأجل كراهية المريض، ويجوز انتصابه على المصدرية؛ أي: كَرِهه كراهيةَ المريض الدواء، أفاده في "العمدة" (١)، قال عياض: الرفع أوجه من النصب على المصدر. انتهى (٢).

(فَلَمَّا أَفَاقَ)؛ أي: رجع إليه -صلى الله عليه وسلم- وعيه، يقال: أفاق المريض إفاقةً: إذا رجع إليه عقله، وأفاق السكران إفاقة، والأصل أفاق من سُكْره، كما استيقظ من نومه (٣). (قَالَ: "لَا يَبْقَى أَحَدٌ مِنْكُمْ إِلَّا لُدَّ) بضم اللام، وتشديد الدال المهملة مبنيًّا للمجهول، زاد في رواية البخاريّ: "وأنا أنظر"، وهي جملة حالية؛ أي: لا يبقى أحد في البيت إلا يُلَدّ في حضوري، وحال نظري إليهم؛ مكافأةً لفعلهم، أو عقوبةً لهم، حيث خالفوا إشارته في عدم اللَّدّ بنحو ما فعلوه به (٤).

قال النوويّ -رحمه الله-: وإنما أمر -صلى الله عليه وسلم- بِلَدّهم عقوبةً لهم، حين خالفوه في إشارته إليهم: "لا تلدُّوني"، ففيه أن الاشارة الْمُفْهِمة كصريح العبارة في نحو هذه المسألة، وفيه تعزير المتعدي بنحو من فعله الذي تعدى به، إلا أن يكون فعلًا محرّمًا. انتهى (٥).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "لا تلدّوني" نهيٌ ظاهر في المنع، فكان ينبغي لهم أن ينتهوا عن ذلك، غير أنَّهم تأوَّلوا أن ذلك من باب ما عُلِم من أحوال المرضى، من كراهتهم الدَّواء، فخالفوه، فعاقبهم بأن اقتَصّ منهم، ففَعَل بهم مثل ما فعلوا به، فكان فيه دليل على مشروعية القصاص في كل شيء، يتأتى فيه القصاص، كما قال تعالى: {فَمَنِ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ} الآية [البقرة: ١٩٤].

قال: وقال بعض أصحابنا -يعني: المالكيّة-: فيه ما يدلّ على قتل الجماعة بالواحد؛ لأنَّهم لمّا تمالؤوا، وتعاونوا على لَدّه اقتصَّ من جميعهم، وفيه بُعدٌ؛ لإمكان مراعاة الفرق، فإنَّه يمكن أن يقال: جاز ذلك فيما لا إراقة


(١) "عمدة القاري" ١٨/ ٧٣.
(٢) "الفتح" ٩/ ٦١٤.
(٣) راجع: "المصباح المنير" ٢/ ٤٨٤.
(٤) "عمدة القاري" ٢١/ ٢٤٩.
(٥) "شرح النوويّ" ١٤/ ١٩٩.