وتُعقِّب بأنه كان يمكن العفو؛ لأنه كان لا ينتقم لنفسه، قال الحافظ: والذي يظهر أنه أراد بذلك تأديبهم؛ لئلا يعودوا، فكان ذلك تأديبًا، لا قصاصًا، ولا انتقامًا.
قال الجامح عفا الله عنه: بل الظاهر أنه قصاص، ولذلك أورده البخاريّ -رحمه الله-، وأجاد في ذلك تحت ترجمة:"بابُ القصاص بين الرجال، والنساء في الجراحات"، وأورده أيضًا تحت:"بابٌ إذا أصاب قومٌ من رجل، هل يُعاقِب، أو يَقتصّ منهم كلّهم؟ "، فتبصّر، والله تعالى أعلم.
٧ - (ومنها): ما قيل: وإنما كَرِهَ -صلى الله عليه وسلم- اللَّدَّ، مع أنه كان يتداوى؛ لأنه تحقق أنه يموت في مرضه، ومن حَقَّق ذلك كُرِه له التداوي، قال الحافظ: وفيه نظر، والذي يظهر أن ذلك كان قبل التخيير، والتحقّق، وإنما أنكر التداوي؛ لأنه كان غير ملائم لدائه؛ لأنهم ظنّوا أن به ذات الجنب، فداووه بما يلائمها، ولم يكن به ذلك، كما هو ظاهر من سياق الخبر كما ترى، والله أعلم. انتهى (١).
٨ - (ومنها): أن فيه حجةً لمن رأى القصاص في اللَّطْمة ونحوها، وهو الحقّ، واعتلّ من لم ير ذلك بأن اللطم يتعذر ضبطه وتقديره، بحيث لا يزيد، ولا ينقص، وأما اللَّدُود فاحتَمَل أن يكون قصاصًا، واحتَمَل أن يكون معاقبةً على مخالفة أمره، فعوقبوا من جنس جنايتهم، وسيأتي تمام البحث في ذلك في المسألة التالية -إن شاء الله تعالى-.
٩ - (ومنها): أن الشركاء في الجناية يقتص من كل واحد منهم، إذا كانت أفعالهم لا تتميز، بخلاف الجناية في المال؛ لأنها تتبعّض؛ إذ لو اشترك جماعة في سرقة ربع دينار لم يُقطعوا اتفاقًا، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في القصاص من الطعنة،
ونحوها:
قد حقّق هذه المسألة الإمام ابن قيّم الجوزيّة -رحمه الله- في "تهذيب السنن"، بما لا تجده عند غيره من المحقّقين، أحببت إيراده بطوله؛ تتميمًا للفائدة، وتكميلًا للعائدة، قال -رحمه اللهُ-: