للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اندفع عنه الحرارة الجوعيَّة، وحصلت له القوّة الغذائية، من غير مشقَّة تَلْحقه، فيُسَرَّى عنه بعض ما كان فيه، ونَشِط، وذهب عنه الضيق، والحزن الذي كان يجده بسبب المرض، وإنما كانت عائشة -رضي الله عنها- تصنعها لأهل الميت، وتُثَرِّد فيها؛ لأن أهل الميت شغلهم الحزن عن الغذاء، فاشتدَّت حرارة أحشائهم من الجوع، والحزن، فلمّا أطعمتهم التلبينة انكسرت عنهم حرارة الجوع، فخفّ عنهم بعض ما كانوا فيه، ولا يلزم من فِعلها ذلك لهؤلاء أن يفعل بالمريض كذلك، فيثرد له فيها، وإنَّما ذلك بحسب الحال، فإن احتاج المريض إلى تقوية غذاء التلبينة بلُبَابٍ (١) يضاف إليها فَحَسن.

وعلى الجملة: فالتلبينة غذاء لطيفٌ، لا ضرر فيه غالبًا، فلذلك نبَّه عليه النبيّ -صلى الله عليه وسلم-. انتهى (٢).

وقال في "الفتح" عند قوله: "إن التلبينة تُجمّ فؤاد المريض": قوله: "فإنها تجم" بفتح المثناة، وضم الجيم، وبضم أوله، وكسر ثانيه، وهما بمعنى، ووقع في رواية الليث: "فإنها مجمة" بفتح الميم، والجيم، وتشديد الميم الثانية، هذا هو المشهور، ورُوي بضم أوله، وكسر ثانيه، وهما بمعنى، يقال: جَمّ، وأَجَمّ، والمعنى: أنها تُرِيح فؤاده، وتزيل عنه الهمّ، وتُنَشّطه، والجامّ بالتشديد: المستريح، والمصدر: الْجَمَام (٣)، والإجمام، ويقال: جَمّ الفرسُ، وأجَمّ: إذا أريح، فلم يُركب، فيكون أدعى لنشاطه، وحكى ابن بطال أنه رُوي تَخُمّ بخاء معجمة، قال: والْمَخَمّة: الْمِكنسة. انتهى (٤).

وقوله: (لِفُؤَادِ الْمَرِيضِ) قال في "العمدة": الفؤاد هنا رأس المعدة، وفؤاد الحزين يَضْعُف باستيلاء اليبس على أعضائه، وعلى معدته خاصّةً لتقليل الغذاء، وهذا الغذاء يرطبها، ويقوّيها، ويفعل مثل ذلك بفؤاد المريض. انتهى (٥).


(١) "اللباب": طحين مُرقَّقٌ، واللباب أيضًا: الخالص من كلّ شيء.
(٢) "المفهم" ٥/ ٦٠٧.
(٣) "الجَمام" بالفتح: الراحة. اهـ. "لسان العرب" ١٢/ ١٠٥.
(٤) "الفتح" ١٣/ ٧٦، كتاب "الطبّ" رقم (٥٦٨٩).
(٥) "عمدة القاري" ٢١/ ٥٤.