للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

وقال القرطبيّ -رَحمه الله-: قوله: "استطلق بطنه": قيَّدناه بضم التاء، وكسر اللام، مبنيًّا للمفعول، و"بطنه" مرفوعٌ مفعولٌ لِمَا لم يُسَمَّ فاعله، ومعناه أصيب بالإسهال، وقد عبَّر عنه في الرواية الأخرى: "عَرِبَ بطنه"؛ أي: تغيَّر عن حال الصحة إلى هذا المرض. انتهى (١).

(فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "اسْقِهِ) بوصل الهمزة، من سقاه ثلاثيًّا، كما في قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} [الإنسان: ٢١]، أو بقطع الهمزة، من أسقاه رباعيًّا، كما في قوله تعالى: {لَأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا} [الجن: ١٦]. (عَسَلًا") وعند الإسماعيليّ من طريق خالد بن الحارث، عن شعبة: "اسقه العسل"، واللام عهديّة، والمراد عسل النحل، وهو مشهور عندهم، وظاهره الأمر بسقيه صِرْفًا، ويَحْتَمِل أن يكون ممزوجًا (٢)، (فَسَقَاهُ، ثمَّ جَاءَهُ، فَقَالَ: إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا)، وفي رواية الترمذيّ: "ثم جاء، فقال: يا رسول الله، إني قد سقيته عسلًا، فلم يزده إلا استطلاقًا"، (فَقَالَ لَهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)؛ أي: قال الرجل للنبيّ -صلى الله عليه وسلم-: "إِنِّي سَقَيْتُهُ عَسَلًا، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا"، وعند أحمد عن يزيد بن هارون، عن شعبة: "فذهب، ثم جاء، فقال: قد سقيته، فلم يزده إلا استطلاقًا، فقال: اسقه عسلًا، فسقاه، كذلك ثلاثًا، وفيه: فقال في الرابعة: اسقه عسلًا"، وعند الإسماعيليّ من رواية خالد بن الحارث: "ثلاث مرات، يقول فيهنّ ما قال في الأُولى". (ثُمَّ جَاءَ الرَّابِعَةَ)؛ أي: جاء الرجل المرة الرابعة إليه -صلى الله عليه وسلم-، فأعاد عليه الكلام، (فَقَالَ) -صلى الله عليه وسلم- ("اسْقِهِ عَسَلًا"، فَقَالَ) الرجل (لَقَدْ سَقَيْتُهُ، فَلَمْ يَزِدْهُ إِلَّا اسْتِطْلَاقًا، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "صَدَقَ الله)؛ أي: في قوله: {يَخْرُجُ مِنْ بُطُونِهَا شَرَابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ فِيهِ شِفَاءٌ لِلنَّاسِ} [النحل: ٦٩]، قال ابن القيّم -رحمه الله- بعد أن ذكر منافع العسل ما نصّه: إذا عُرِف هذا فهذا الذي وَصَف له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- العسل كان استطلاق بطنه عن تُخَمة أصابته عن امتلاء، فأَمَره بشرب العسل؛ لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة، والأمعاء، فإن العسل فيه جلاء، ودفع للفضول،


(١) "المفهم" ٥/ ٦٠٨.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١١٢، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧١٦).