أن يكون هذا الرجل أصابه الإسهال عن امتلاء وهيضة، فأمره النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بشرب العسل، فزاده، فزاده، إلى أن فنيت تلك المادة، فوقف الإسهال، فوافقه شرب العسل، فإذا خرج هذا على صناعة الطب أَذِنَ ذلك بجهل المعترض بتلك الصناعة. قال: ولسنا نستظهر على قول نبيِّنا -صلى الله عليه وسلم- بأن يصدقه الأطبَّاء، بل لو كذّبوه لكذّبناهم، وكفّرناهم، وصدَّقناه -صلى الله عليه وسلم-، فإنْ أوجدونا بالمشاهدة صحة ما قالوه، فنفتقر حينئذ إلى تأويل كلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وتخريجه على ما يصح؛ إذ قامت الدلالة على أنه لا يكذب. انتهى كلام القرطبيّ -رحمه اللهُ- (١).
قال الجامع عفا الله عنه: هذا الذي قاله القرطبيّ -رحمه اللهُ- بحث نفيسٌ، وتحقيق أنيسٌ.
وخلاصته أن اعتراض هذا المعترض مبنيّ على جهل فلا قيمة له، ولو فرضنا كونه عن علم إلا أن واجبنا أن نكذّبه، ونردّ عليه علمه القاصر، ونصدّق ما قاله نبيّنا -صلى الله عليه وسلم-؛ لأنه لا ينطق عن الهوى {إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى (٤)} [النجم: ٤]، فلا يكون خلافَ الواقع، ولا يُعارَض بالحدس والتخمين، والظنون الكاسدة، فهذا هو الحقّ الذي يجب على المسلم تجاه الكتاب والسُّنَّة، ونسأل الله تعالي الثبات عليهما إلى الممات، {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ (٨)} [آل عمران: ٨]، والله تعالى أعلم.
وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رحمه اللهُ- أوّل الكتاب قال: