بمقاومة الداء، فأمره بمعاودة سقيه، فلما تكررت الشربات بحسب مادة الداء، بَرَأ بإذن الله تعالى، قاله في "الفتح"(١).
وقال القرطبيّ -رحمه اللهُ-: قوله -صلى الله عليه وسلم-: "اسقه عسلًا" قد اعتَرَض بعضُ زنادقة الأطباء على هذا، فقال: قد أجمعت الأطباء على أن العسل يُسهل، فكيف يوصف لمن به الإسهال؟!.
فجوابه: أن يقال: إن هذا الطعن صدر عن جهل بأدلة صدق النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وبصناعة الطبّ.
أما الأول: فلو نظر في معجزاته -صلى الله عليه وسلم- نظرًا صحيحًا لعلم على القطع أنه يستحيل عليه الكذب، والخلف، ومن حصل له هذا العلم فحقّه شرعًا وعقلًا؛ إذا وجد من كلامه ما يقصر عن إدراكه أن يَعلَم أن ذلك القول حقّ في نفسه، وأن يضيف القصور إلى نفسه، فإنْ أرشده هذا الصادق إلى فعل ذلك الشيء على وجه، فيستعمله على الوجه الذي عيَّنه، وفي المحل الذي أمره بعقد نيَّة، وحسن طويَّة؛ فإنَّه يرى منفعته، ويدرك بركته، كما قد اتَّفَق لصاحب هذا العسل، وإن لم يعيَّن له كيفية، ولا وجهًا، فسبيل العاقل ألا يُقْدِم على استعمال شيء حتى يعرف كيفية العمل به، فليبحث عن وجه العمل اللائق بذلك الدواء، فإذا انكشف له ذلك فهو الذي أراده الصادق، وهذا البحث إنما يكون مع العلماء بالطبّ من المسلمين الموثوق بعلمهم، وصحَّة تجربتهم.
وأما جهل هذا الطاعن بصناعة الطبّ، فقد جازف في النقل حيث أطلق في موضع التقييد، وحَكَى إجماعًا لا يصح له، وبيان ذلك بما قاله الإمام أبو عبد الله، قال: ينبغي أن يُعْلَم أن الإسهال يَعْرِض من ضروب كثيرة؛ فمنها: الإسهال الحادث عن التُّخم، والهيضات، والأطباء مجمعون في مثل هذا على أن علاجه بأن تترك الطبيعة وفِعْلها، وإن احتاجت إلى مُعِين على الإسهال أعينت ما دامت القوة باقية، فأما حَبْسها: فضرر، فإذا وضح هذا؛ قلنا: فيمكن