للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٥ - (ومنها): ما قال ابن بطال -رحمه اللهُ- (١): يؤخذ من قوله: "صدق الله، وكذب بطن أخيك" أن الألفاظ لا تُحْمَل على ظاهرها؛ إذ لو كان كذلك لبرئ العليل من أول شربة، فلمّا لم يبرأ إلا بعد التكرار دَلّ على أن الألفاظ تُقتَصر على معانيها.

وتعقّبه الحافظ، فقال: ولا يخفى تكلف هذا الانتزاع (٢).

٦ - (ومنها): ما قال ابن بطال أيضًا: فيه أن الذي يَجعل الله فيه الشفاء قد يتخلف لتتمّ المدة التي قدّر الله تعالى فيها الداء. انتهى.

(المسألة الرابعة): قد اعترض بعض الملاحدة على هذا الحديث، فقال: العسل مسهل، فكيف يوصف لمن وقع به الإسهال؟

والجواب: أن ذلك جَهْل من قائله، بل هو كقوله تعالى: {بَلْ كَذَّبُوا بِمَا لَمْ يُحِيطُوا بِعِلْمِهِ} [يونس: ٣٩]، فقد اتَّفَق الأطباء على أن المرض الواحد يختلف علاجه باختلاف السنّ، والعادة، والزمان، والغذاء المألوف، والتدبير، وقوة الطبيعة، وعلى أن الإسهال يَحدُث من أنواع، منها الهيضة التي تنشأ عن تُخَمة، واتفقوا على أن علاجها بترك الطبيعة، وفعلها، فإن احتاجت إلى مُسهل مُعِيْن أعينت ما دام بالعليل قوّة، فكأن هذا الرجل كان استطلاق بطنه عن تُخَمة أصابته، فوَصَف له النبيّ -صلى الله عليه وسلم- العسل لدفع الفضول المجتمعة في نواحي المعدة، والأمعاء؛ لِمَا في العسل من الجلاء، ودَفْع الفضول التي تصيب المعدة من أخلاط لَزِجة تمنع استقرار الغذاء فيها، وللمعدة خَمْل كخمل المنشفة، فإذا علقت بها الأخلاط اللزجة أفسدتها، وأفسدت الغذاء الواصل إليها، فكان دواؤها باستعمال ما يجلو تلك الأخلاط، ولا شيء في ذلك مثل العسل، لا سيما إن مُزِج بالماء الحارّ، وإنما لم يُفِدْه في أول مرة؛ لأن الدواء يجب أن يكون له مقدار، وكمية، بحسب الداء، إن قصر عنه لم يدفعه بالكلية، وإن جاوزه أوهى القوّة، وأحدث ضررًا آخر، فكأنه شرب منه أوّلًا مقدارًا لا يفي


(١) "شرح البخاريّ" لابن بطال ٩/ ٤١٦.
(٢) "الفتح" ١٣/ ١١٥، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧١٦).