للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

كغدَّة البعير، تخرج في المراقّ، والآباط وقال غير واحد من العلماء: إنه يخرج في الأيدي، والأصابع، وحيث شاء الله من البدن.

قال: وحاصله: أن الطاعون مرضٌ عامٌّ، يكون عنه موت عام، وقد يسمَّى بالوباء، ويُرسله الله نقمةً، وعقوبةً لمن يشاء من عصاة عبيده، وكَفَرَتهم، وقد يرسله شهادة، ورحمةً للصالحين من عباده، كما قال معاذ في طاعون الشام: إنه شهادة ورحمة لكم، ودعوة نبيكم، قال أبو قلابة: يعني: بدعوة نبيكم: أنه -صلى الله عليه وسلم- دعا أن يجعل فناء أمته بالطَّعن والطَّاعون، كذا جاءت الرواية عن أبي قلابة بالواو، قال بعض علمائنا: والصحيح بالطَّعن، أو الطاعون، بأو التي هي لأحد الشيئين؛ أي: لا يجتمع ذلك عليهم.

قال القرطبيّ: ويظهر لي أن الروايتين صحيحتا المعنى، وبيانه: أن مراد النبيّ -صلى الله عليه وسلم- بأمته المذكورة في الحديث إنما هم أصحابه؛ لأنَّه -صلى الله عليه وسلم- قد دعا لجميع أمته ألا يهلكهم بِسَنَةٍ عامة، ولا بتسليط أعدائهم عليهم، فأجيب إلى ذلك، فلا تذهب بيضتهم، ولا معظمهم بموت عامّ، ولا بعدوٍّ على مقتضى هذا الدعاء، والدعاء المذكور في حديث أبي قلابة يقتضي أن يفنى جميعهم بالقتل والموت العام، فتعيَّن أن يُصْرَف الأول إلى أصحابه؛ لأنَّهم هم الذين اختار الله تعالى لمعظمهم الشهادة بالقتل في سبيل الله، وبالطاعون الذي وقع في زمانهم، فهلك به بقيتهم، فعلى هذا: قد جمع الله تعالى لهم كلا الأمرين، فتبقى الواو على أصلها من الجمع، أو تُحمل "أو" على التنويعية، والتقسيمية، والله تعالى أعلم. انتهى (١).

وقال النوويّ -رحمه الله-: قوله -صلى الله عليه وسلم- في الطاعون: "رجز أُرسل على بني اسرائيل، أو على من كان قبلكم، فإذا سمعتم به بأرض فلا تقدموا عليه، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه وفي رواية: "إن هذا الوجع، أو السقم رجز، عُذِّب به بعض الأمم قبلكم، ثم بقي بعد بالأرض، فيذهب المرّة، ويأتي الأخرى، فمن سمع به بأرض، فلا يَقْدَمَنّ عليه، ومن وقع بأرض، وهو بها فلا يخرجنه الفرار منه"، وفي حديث عمر -رضي الله عنه-: "أن الوباء وقع بالشام".


(١) "المفهم" ٥/ ٦١١ - ٦١٢.