تخرجوا منها، وإذا كان بغيرها، ولستم بها، فلا تدخلوها"، وهذا الإسناد ليس بحجة؛ لمخالفة الحفاظ لداود بن عامر في ذلك، وممن خالفه فيه ابن شهاب، ومحمد بن المنكدر، وعمرو بن دينار، وهؤلاء لا نظير لهم في الحفظ، والإتقان، وليس داود بن عامر ممن يَلْحَق بهم.
ثم أخرج بسنده عن سفيان بن عيينة، عن عمرو، سمع عامر بن سعد، قال: جاء رجل إلى سعد، فسأله عن الطاعون، فقال أسامة: أنا أخبرك، سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "إذا هجم الطاعون، وأنتم بأرض، فلا تخرجوا فرارًا منه، وإذا سمعتم به بأرض، فلا تدخلوها".
[فإن قيل]: قد رواه أبو حذيفة، عن الثوريّ، عن محمد بن المنكدر، عن عامر بن سعد، عن سعد، عن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-.
[قيل له]: نعم، وهو عندنا من حديث عليّ بن عبد العزيز، عن أبي حذيفة موسى بن مسعود، كذلك، ولكنه خطأ، وكان أبو حذيفة كثير الوهم، والخطأ في حديثه عن الثوريّ، وقد ذكره ابن أبي شيبة عن عبد الله بن نمير، عن سفيان الثوريّ، عن محمد بن المنكدر، عن عامر بن سعد، عن أسامة بن زيد، قال: قال رسول الله: "إن هذا الطاعون رجزٌ، سُلِّط على من كان قبلكم … " الحديث، وهذا يشهد لِمَا قلناه من خطأ أبي حذيفة.
[فإن قيل]: إن أسد بن موسى حَدَّث بهذا الحديث، عن ابن لهيعة، عن الأعرج، عن أشعث بن إسحاق بن سعد بن أبي وقاص، أن سعدًا كان إذا جاءه أسامة بن زيد، لم يقربهما أحدٌ، فجاء عامر بن سعد، فقعد إليهما، فقال أسامة: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إذا سمعتم بالطاعون بأرض، فلا تدخلوها، وإذا وقع بأرض، وأنتم بها، فلا تخرجوا منها فرارًا"، فقال سعد لأسامة: أنت سمعت هذا؟ قال: نعم مرتين، فقال سعد: وأنا قد سمعته. [قيل]: هذا حديث لا يَحتجّ به، مَن مَيَّزَ أقلَّ شيء من طرق الأحاديث؛ لأنه خبر منقطع، ضعيف، وابن لهيعة أكثر أهل العلم لا يقبلون شيئًا من حديثه، ومنهم من يَقبل منه ما حَدَّث به قبل احتراق كتبه، ولم يسمع منه فيما ذكروا قبل احتراق كتبه، إلا ابن المبارك، وابن وهب لبعض سماعه، وأما أسد، ومثله، فإنما سمعوا منه بعد احتراق كتبه، وكان يملي من حفظه، فيخطئ، ويخلط، وليس بحجة عند