للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الحكم ما ذكرنا، والله أعلم. انتهى كلام ابن عبد البرّ -رحمه الله- باختصار (١).

قال الجامع عفا الله عنه: الذي يظهر لي أن كون الحديث من مسند سعد بن أبي وقّاص -رضي الله عنه- صحيح، كما صححه مسلم هنا؛ فقد أخرجه من رواية سفيان الثوريّ، عن حبيب، عن إبراهيم بن سعد، عن سعد، وخزيمة، وأسامة، ورواه من رواية الأعمش، عن حبيب، عن إبراهيم، عن أسامة وسعد كلاهما قالا: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، ورواه من رواية الشيبانيّ، عن حبيب، عن إبراهيم، عن أبيه، ولذا قال الحافظ في "الفتح": يَحتمل أن يكون سعد تذكّر لَمّا حدّثه به أسامة، وهذا هو الذي أشار إليه ابن عبد البرّ في آخر كلامه، أو نُسبت الرواية إلى سعد؛ لتصديقه أسامة. انتهى.

والحاصل أن الحديث صحيح من مسند أسامة -رضي الله عنه-، كما هو رواية الأكثرين، ومن مسند سعد -رضي الله عنه-، كما رواه المذكورون، فتنبّه، والله تعالى أعلم.

(المسألة الرابعة): في فوائد الحديث:

١ - (منها): بيان كون الطاعون عذابًا على الأمم السابقة، وجعله الله تعالى رحمة لهذه الأمة، فكان لها شهادةً، ففي "الصحيحين": "المطعون شهيد"، وأخرج البخاريّ عن عائشة -رضي الله عنهما- قالت: سألت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عن الطاعون، فقال: "كان عذابًا يبعثه الله على من كان قبلكم، فجعله الله رحمة للمؤمنين، ما من عبد يكون في بلد، فيكون فيه، فيمكث لا يخرج صابرًا محتسبًا، يعلم أنه لا يصيبه إلا ما كتب الله له، إلا كان له مثل أجر شهيد"، وفي حديث آخر: "الطاعون شهادة لكل مسلم"، وإنما يكون شهادة لمن صبر، كما بيَّنه في الحديث المذكور (٢).

٢ - (ومنها): بيان تحريم القدوم على البلدة التي وقع بها الطاعون، فلا يحل لمن كان خارجها أن يُقدم إليها، وتحريم الخروج من البلدة التي وقع فيها، فلا يحلّ لمن كان بها أن يَخرُج منها فرارًا منه؛ لأنه فرار من القدر،


(١) "التمهيد" لابن عبد البرّ ١٢/ ٢٤٩ - ٢٥٦.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢٠٥.