للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

ولئلا تضيع المرضى بعدم من يتفقدهم، والموتى بعدم من يجهزهم، فالأول تأديب، وتعليم، والثاني تفويض، وتسليم، وقيل: هو تعبديّ؛ لأن الفرار من المهالك مأمور به، وقد نُهي عن هذا، فهو لسر فيه لا يُعْلَم معناه (١).

٣ - (ومنها): الاحتراز من المكاره، وأسبابها، والتسليم لقضاء الله تعالى عند حلول الآفات، والله تعالى أعلم.

٤ - (ومنها): بيان جواز الخروج لغرض آخر غير الفرار، سواء كان تجارةً، أو طلب علم، أو حاجة أخرى، قال النوويّ -رحمه الله-: واتفقوا على جواز الخروج بشغل، وغرض غير الفرار، ودليله صريح الأحاديث. انتهى (٢).

٥ - (ومنها): ما قال النوويّ -رحمه الله-: في هذه الأحاديث منع القدوم على بلد الطاعون، ومنع الخروج منه فرارًا من ذلك، أما الخروج لعارض فلا بأس به، وهذا الذي ذكرناه هو مذهبنا، ومذهب الجمهور، قال القاضي: هو قول الأكثرين، قال: حتى قالت عائشة: الفرار منه كالفرار من الزحف، قال: ومنهم من جَوَّز القدوم عليه، والخروج منه؛ فرارًا، قال: ورُوي هذا عن عمر بن الخطاب، وأنه نَدِم على رجوعه من سَرْغ، وعن أبي موسى الأشعريّ، ومسروق، والأسود بن هلال، أنهم فرُّوا من الطاعون، وقال عمرو بن العاص: فِرُّوا عن هذا الرجز في الشعاب، والأودية، ورؤوس الجبال، فقال معاذ: بل هو شهادة، ورحمة.

ويتأول هؤلاء النهي على أنه لم ينه عن الدخول عليه، والخروج منه مخافة أن يصيبه غير المقدّر، لكن مخافة الفتنة على الناس؛ لئلا يظنوا أن هلاك القادم إنما حصل بقدومه، وسلامة الفارّ إنما كانت بفراره، قالوا: وهو من نحو النهي عن الطيرة، والقرب من المجذوم، وقد جاء عن ابن مسعود قال: الطاعون فتنة على المقيم، والفارّ، أما الفارّ فيقول: فررت، فنجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت، فمُتُّ، وإنما فَرّ مَن لم يأت أجله، وأقام من حضر أجله، والصحيح ما قدمناه من النهي عن القدوم عليه، والفرار منه؛ لظاهر الأحاديث الصحيحة.


(١) "شرح الزرقانيّ على الموطأ" ٤/ ٢٩٩.
(٢) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢٠٧.