قال العلماء: وهو قريب المعنى من قوله -صلى الله عليه وسلم-: "لا تتمنوا لقاء العدوّ، واسألوا الله العافية، فإذا لقيتموهم، فاصبروا". انتهى كلام النوويّ -رحمه الله- (١)، وهو بحث مفيدٌ، والله تعالى أعلم.
وقال القرطبيّ -رحمه الله-: على ظاهر هذا الحديث عمل عمر، والصحابة معه -رضي الله عنه- لمّا رجعوا من سَرْغ حين أخبرهم بهذا الحديث عبد الرحمن بن عوف، وإليه صاروا، وقالت عائشة -رضي الله عنهما-: الفرار من الوباء كالفرار من الزحف، وإنما نهى عن القدوم عليه أخذًا بالحزم، والحذر، والتحرُّز من مواضع الضرر، ودفعًا للأوهام المشوشة لنفس الإنسان، وإنما نُهي عن الفرار منه؛ لأنَّ الكائن بالموضع الذي الوباء فيه، لعلَّه قد أخذ بحظ منه، لاشتراك أهل ذلك الموضع في سبب ذلك المرض العام، فلا فائدة لفراره، بل يضيف إلى ما أصابه من مبادي الوباء مشقات السفر، فيتضاعف الألم، ويكثر الضرر، فيهلكون بكل طريق، ويطرحون في كل فجوة ومضيق، ولذلك يقال: قلَّما فرَّ أحد من الوباء وسَلِم، ويكفي من ذلك موعظةً قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا}[البقرة: ٢٤٣]، قال الحسن: خرجوا حذرًا من الطاعون، فأماتهم الله تعالى في ساعة واحدة، وهم أربعون ألفاً، وقيل غير هذا.
وقالت طائفة أخرى: إنه يجوز القدوم على الوباء، والفرار منه، وحُكي ذلك عن عمر -رضي الله عنه-، وأنَّه نَدِم على رجوعه من سَرْغ، وقال: اللهم اغفر لي رجوعي من سرغ، وكتب إلى عامله بالشام، بأنه إذا قد وقع عندكم الوباء، فاكتب لي حتى أخرج إليه، وكتب إلى أبي عبيدة في الطاعون، فعزم عليه أن يَقدَم عليه مخافة أن يصيبه الطاعون، وروي عن مسروق، والأسود، وأبي موسى الأشعري -رضي الله عنهم- أنهم فرُّوا من الطاعون. وروي عن عمرو بن العاص -رضي الله عنه- أنه قال: تفرَّقوا عن هذا الرجز في الشعاب، والأودية، ورؤوس الجبال، واعتمد أصحاب هذا القول على أن الآجال محدودة، والأرزاق مقدَّرة معدودة، فلا يتقدَّم شيء على وقته، ولا يتأخر شيء عن أجله، فالواجب صحة