للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الاعتماد على الله، والتسليم لأمر الله تعالى، فإنَّ الله تعالى لا رادَّ لأمره، ولا معقِّب لحكمه، فالقدوم على الوباء، والفرار سيان بالنسبة إلى سابق الأقدار.

وتأوَّل بعضهم الحديث بأن مقصوده التحذير من فتنة الحيِّ؛ فيعتقد أن هلاك من هلك من أجل قدومه على الوباء، ونجاة من نجا من أجل فراره. قالوا: وهذا نحو نهيه عن الطيرة، والقرب من المجذوم، مع قوله: "لا عدوى"، فمن خرج من بلاد الطاعون، أو قَدِم عليها جاز له ذلك؛ إذا أيقن أن قدومه لا يعجّل له أجلًا أخّره الله تعالى، وأن فراره لا يؤخّر عنه أجلًا عجَّله الله تعالى، ولذلك قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: الطاعون فتنة على المقيم والفارّ، أما الفارُّ فيقول: بفراري نجوت، وأما المقيم فيقول: أقمت فمتّ، وإلى نحو هذا أشار مالك حين سُئل عن كراهة النظر إلى المجذوم، فقال: ما سمعت فيه بكراهة، وما أرى ما جاء من النهي عن ذلك إلا خيفة أن يفزعه، أو خيفة شيء يقع في نفسه. قال النبيّ -صلى الله عليه وسلم- في الوباء: "إذا سمعتم به بأرض فلا تَقْدَموا عليه، وإذا وقع وأنتم بها، فلا تخرجوا فرارًا منه". وسُئل أيضًا مالك عن البلد يقع فيه الموت، وأمراض، فهل يُكره الخروج إليه؟ فقال: ما أرى باسًا، خرج أو أقام. قيل: فهذا يُشبه ما جاء في الحديث من الطاعون؟ قال: نعم.

قال القرطبيّ: وهذا فيه نظر سيأتي -إن شاء الله تعالى- في حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-. انتهى (١).

قال الجامع عفا الله عنه: القول بجواز القدوم إلى بلد الطاعون، وكذا الخروج منه قول مخالف لصريح النهي، فلا يُلتفت إليه، والتأويل الذي ذكروه في الحديث غير مقبول، فتبصّر، ولا تكن أسير التقليد، والله تعالى الهادي إلى سواء السبيل.

٦ - (ومنها): الاحتراز من المكاره، وأسبابها، وفيه التسليم لقضاء الله عند حلول الآفات.

٧ - (ومنها): ما قال ابن عبد البرّ -رحمه الله-: وفيه عندي -والله أعلم- النهي عن ركوب الغرر، والمخاطرة بالنفس، والْمُهْجة؛ لأن الأغلب في الظاهر أن


(١) "المفهم" ٥/ ٦١٢ - ٦١٤.