للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

الأرض الوبيئة لا يكاد يسلم صاحبها من الوباء فيها، إذا نزل بها، فنُهوا عن هذا الظاهر؛ إذ الآجال، والآلام مستورة عنهم، ومن هذا الباب أيضًا قوله: "لا يورد مُمْرِضٌ على مُصِحّ"، ثم قال عند حقيقة الأمر: "فمن أعدى الأول". انتهى (١).

٨ - (ومنها): ما قال ابن عبد البرّ -رحمه الله- أيضًا: وفي هذا الحديث إباحة الخبر عن الأمم الماضية، من بني إسرائيل، وغيرهم، ورُوي عن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنه قال: ما زال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يحدثنا عمن خلا من الأمم، حتى لو مرت عُقاب، فقُلب جناحها، لأخبرناكم. انتهى (٢)، والله تعالى أعلم.

(المسألة الخامسة): في ذِكْر أقوال أهل العلم في الطاعون:

قال في "الفتح": الطاعون بوزن فاعول، من الطعن، عَدَلوا به عن أصله، ووضعوه دالًّا على الموت العامّ؛ كالوباء، ويقال: طُعِن، فهو مطعون، وطَعِين: إذا أصابه الطاعون، وإذا أصابه الطعن بالرمح، فهو مطعون، هذا كلام الجوهريّ. وقال الخليل: الطاعون: الوباء. وقال صاحب "النهاية": الطاعون: المرض العامّ الذي يفسد له الهواء، وتفسد به الأمزجة، والأبدان. وقال أبو بكر ابن العربيّ: الطاعون: الوجع الغالب الذي يطفئ الروح؛ كالذّبْحَة، سُمّي بذلك؛ لعموم مُصابه، وسرعة قتله، وقال أبو الوليد الباجيّ: هو مرض يعمّ الكثير من الناس، في جهة من الجهات، بخلاف المعتاد من أمراض الناس، ويكون مرضهم واحدًا، بخلاف بقية الأوقات، فتكون الأمراض مختلفة. وقال الداوديّ: الطاعون: حبة تخرج من الأرقاع، وفي كل طيّ من الجسد، والصحيح أنه الوباء. وقال عياض: أصل الطاعون القروح الخارجة في الجسد، والوباء عموم الأمراض، فسمِّيت طاعونًا؛ لِشَبَهها بها في الهلاك، وإلا فكل طاعون وباء، وليس كل وباء طاعونًا، قال: ويدل على ذلك أن وباء الشام الذي وقع في عَمَواس إنما كان طاعونًا، وما ورد في الحديث أن الطاعون وَخْزُ الجنّ. وقال ابن عبد البرّ: الطاعون غُدّة تخرج في المراقّ، والآباط، وقد تخرج في الأيدي، والأصابع، وحيث شاء الله. وقال النوويّ في


(١) "التمهيد" لابن عبد البر ١٢/ ٢٦٠.
(٢) "التمهيد" لابن عبد البرّ ٢١/ ١٨٥.