للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

"الروضة": قيل: الطاعون انصباب الدم إلى عضو. وقال آخرون: هو هَيَجان الدم، وانتفاخه. قال المتولي: وهو قريب من الجذام، من أصابه تَأَكَّلَت أعضاؤه، وتساقط لحمه. وقال الغزاليّ: هو انتفاخ جميع البدن من الدم، مع الحمى، أو انصباب الدم إلى بعض الأطراف، فينتفخ، ويحمرّ، وقد يذهب ذلك العضو. وقال النوويّ أيضًا في "تهذيبه": هو بَثْرٌ، ووَرَمٌ مؤلم جدًّا، يخرج مع لهب، ويسودّ ما حواليه، أو يخضرّ، أو يحمرّ حمرةً شديدةً بنفسجيةً كدرة، ويحصل معه خَفَقَان، وقيءٌ، ويخرج غالبًا في المراقّ، والآباط، وقد يخرج في الأيدي، والأصابع، وسائر الجسد.

وقال جماعة من الأطباء، منهم أبو عليّ بن سينا: الطاعون مادّة سُمّيّة تُحدِث وَرَمًا قتّالًا، يَحْدُث في المواضع الرخوة، والمغابن من البدن، وأغلب ما تكون تحت الإبط، أو خلف الأذن، أو عند الأرنبة، قال: وسببه دم رديء مائل إلى العُفونة والفساد، يستحيل إلى جوهر سُمّيّ، يُفسد العضوَ، ويغيّر ما يليه، ويؤدي إلى القلب كيفية رديئة، فيحدث القيء، والغثيان، والغشي، والخفقان، وهو لرداءته لا يقبل من الأعضاء إلا ما كان أضعف بالطبع، وأردؤه ما يقع في الأعضاء الرئيسية، والأسود منه قَلّ من يسلم منه، وأسلمه الأحمر، ثم الأصفر، والطواعين تكثر عند الوباء في البلاد الوبئة، ومن ثم أُطلق على الطاعون وباء، وبالعكس، وأما الوباء فهو فساد جوهر الهواء الذي هو مادّة الروح، ومدده.

قال الحافظ -رحمه الله-: فهذا ما بلغنا من كلام أهل اللغة، وأهل الفقه، والأطباء في تعريفه، والحاصل أن حقيقته وَرَمٌ ينشأ عن هَيَجان الدم، أو انصباب الدم إلى عضو، فيُفسده، وأن غير ذلك من الأمراض العامة الناشئة عن فساد الهواء، يسمى طاعونًا بطريق المجاز؛ لاشتراكهما في عموم المرض به، أو كثرة الموت.

قال: والدليل على أن الطاعون يغاير الوباء حديث: "أن الطاعون لا يدخل المدينة"، وقد ثبت في حديث عائشة -رضي الله عنهما-: "قَدِمنا المدينة، وهي أوبأ أرض الله -وفيه قول بلال -رضي الله عنه--: أخرجونا إلى أرض الوباء"، وفي "صحيح البخاريّ" من حديث أبي الأسود: "قَدِمت المدينة في خلافة عمر، وهم يموتون