للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

موتًا ذريعًا وفي حديث الْعُرنيين: "أنهم استوخموا المدينة وفي لفظ: "أنهم قالوا: إنها أرض وبئة"، فكل ذلك يدلّ على أن الوباء كان موجودًا بالمدينة، وقد صرح الحديث الأول بأن الطاعون لا يدخلها، فدلّ على أن الوباء غير الطاعون، وأن من أطلق على كل وباء طاعونًا فبطريق المجاز.

قال أهل اللغة: الوباء هو المرض العامّ، يقال: أوبأت الأرض، فهي موبئة، ووَبَئِت بالفتح (١) فهي وبئة، وبالضم (٢) فهي موبوءة، والذي يفترق به الطاعون من الوباء أصل الطاعون (٣) الذي لم يتعرض له الأطباء، ولا أكثر من تكلم في تعريف الطاعون، وهو كونه من طعن الجنّ، ولا يخالف ذلك ما قال الأطباء، من كون الطاعون ينشأ عن هَيَجان الدم، أو انصبابه؛ لأنه يجوز أن يكون ذلك يَحْدُث عن الطعنة الباطنة، فتَحْدُث منها المادة السُّمّيّة، ويهيج الدم بسببها، أو ينصبّ، وإنما لم يتعرض الأطباء؛ لكونه من طعن الجنّ؛ لأنه أمرٌ لا يُدرَك بالعقل، وإنما يُعرف من الشارع، فتكلموا في ذلك على ما اقتضته قواعدهم.

وقال الكلاباذيّ في "معاني الأخبار": يَحْتَمِل أن يكون الطاعون على قسمين: قسم يحصل من غلبة بعض الأخلاط، من دم، أو صفراء محترقة، أو غير ذلك، من غير سبب يكون من الجنّ، وقسم يكون من وَخْز الجنّ، كما تقع الجراحات من القروح التي تخرج في البدن، من غلبة بعض الأخلاط، وإن لم يكن هناك طعن، وتقع الجراحات أيضًا من طعن الإنس. انتهى.

قال الحافظ: ومما يؤيد أن الطاعون إنما يكون من طعن الجنّ وقوعه غالبًا في أعدل الفصول، وفي أصح البلاد هواءً، وأطيبها ماءً، ولأنه لو كان بسبب فساد الهواء لدام في الأرض؛ لأن الهواء يفسد تارةً، ويصح أخرى، وهذا يذهب أحيانًا، ويجيء أحيانًا على غير قياس، ولا تجربة، فربما جاء سنة على سنة، وربما أبطأ سنين، وبأنه لو كان كذلك لعمّ الناس، والحيوان،


(١) من باب تعب.
(٢) أي: بالبناء للمفعول.
(٣) هكذا النسخة: "أصل الطاعون"، والعبارة فيها شيء من الركاكة، ولعل الصواب: "أن أصل الوباء لم يتكلم فيه الأطباء … إلخ"، فليُحرّر، والله تعالى أعلم.