للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

للتمني، فلا يحتاج إلى جواب، والمعنى: أن غيرك ممن لا فهم له إذا قال ذلك يعذر، وقد بَيَّن سبب ذلك بقوله: (وَكَانَ عُمَرُ يَكْرَهُ خِلَافَهُ)؛ أي: مخالفة أبي عبيدة؛ لشدّة وثوقه بعلمه، وتقواه، وورعه.

وقال النوويّ -رحمه الله-: أما قوله: "لو غيرك قالها يا أبا عبيدة" فجواب "لو" محذوف، وفي تقديره وجهان، ذكرهما صاحب "التحرير" وغيره:

أحدهما: لو قاله غيرك لأدبته؛ لاعتراضك عليّ في مسألة اجتهادية، وافقني عليها أكثر الناس، وأهل الحلّ والعقد فيها.

والثاني: لو قالها غيرك لم أتعجب منه، وإنما أتعجب من قولك أنت ذلك، مع ما أنت عليه من العلم، والفضل، ثم ذكر له عمر -رضي الله عنه- دليلًا واضحًا من القياس الجليّ الذي لا شك في صحته، وليس ذلك اعتقادًا منه أن الرجوع يرُدّ المقدور، وإنما معناه أن الله تعالى أمر بالاحتياط، والحزم، ومجانبة أسباب الهلاك، كما أمر سبحانه بالتحصّن من سلاح العدوّ، وتجنب المهالك، وإن كان كل واقع فبقضاء الله، وقَدَره السابق في علمه، وقاس عمر -رضي الله عنه- على رعي العدوتين؛ لكونه واضحًا لا ينازع فيه أحد مع مساواته لمسألة النزاع. انتهى (١).

وقال القرطبيّ -رحمه الله-: قوله: "لو غيرك قالها"؛ أي: ليت غيرك يقول ذلك القول، فكأنه قال: لا يليق هذا القول بك؛ لعلمك، وفهمك، وإنما يليق ذلك بغيرك، ممن قلّ علمه، وقصر فهمه.

ثم احتَجّ عليه عمر -رضي الله عنه- بأن قال: "نعم! نفرُّ من قدر الله إلى قدر الله"؛ إذ لا محيص للإنسان عما قدَّره الله عليه، لكن أمرنا الله تعالى بالتحرُّز من المخاوف، والهلكات، وباستفراغ الوسع في التوقي من المكروهات، والحذر، وجلب المنافع، ودفع الضرر، ثم المقصِّر في ذلك ملوم عادةً، وشرعًا، ومنسوبٌ إلى التفريط عقلًا، وسمعًا؛ وإن زعم أنه المتوكل على الله المسلِّم لأمر الله.

ولمّا بيَّن عمر -رضي الله عنه- ذلك المعنى بالمثال، لاح الحقّ، وارتفع الجدال،


(١) "شرح النوويّ" ١٤/ ٢١٠ - ٢١١.