للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

٢ - [ومنها]: أن الناس لو تواردوا على الخروج، لصار من عجز عنه بالمرض المذكور، أو بغيره ضائع المصلحة؛ لِفَقْد من يتعهده حيًّا وميتًا، وأيضًا فلو شُرع الخروج، فخرج الأقوياء، لكان في ذلك كَسْر قلوب الضعفاء، وقد قالوا: إن حكمة الوعيد في الفرار من الزحف؛ لِمَا فيه من كَسْر قلب من لم يفر، وإدخال الرعب عليه بخذلانه، وقد جمع الغزالي بين الأمرين، فقال: الهواء لا يضرّ من حيث ملاقاته ظاهر البدن، بل من حيث دوام الاستنشاق، فيصل إلى القلب، والرئة، فيؤثّر في الباطن، ولا يظهر على الظاهر، إلا بعد التأثير في الباطن، فالخارج من البلد الذي يقع به لا يخلص غالبًا مما استَحْكَم به، وينضاف إلى ذلك أنه لو رُخِّص للأصحاء في الخروج، لبقي المرضى لا يجدون من يتعاهدهم، فتضيع مصالحهم.

٣ - [ومنها]: ما ذكره بعض الأطباء أن المكان الذي يقع به الوباء تتكيف أمزجة أهله بهواء تلك البقعة، وتأْلَفها، وتصير لهم كالأهوية الصحيحة لغيرهم، فلو انتقلوا إلى الأماكن الصحيحة لم توافقهم، بل ربما إذا استنشقوا هواءها استصحب معه إلى القلب من الأبخرة الرديئة التي حصل تكيّف بدنه بها، فأفسدته، فمُنع من الخروج لهذه النكتة.

٤ - [ومنها]: ما تقدم أن الخارج يقول: لو أقمت لأُصبت، والمقيم يقول: لو خرجت لَسَلِمت، فيقع في اللَّوّ المنهيّ عنه، ذكر ذلك كله في "الفتح" (١)، والله تعالى أعلم.

وبالسند المتّصل إلى المؤلّف -رَحِمَهُ اللهُ- أَوّل الكتاب قال: [٥٧٧١] ( … ) - (وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، وَمُحَمَّدُ بْنُ رَافِعٍ، وَعَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ، قَالَ ابْنُ رَافِعٍ: حَدَّثَنَا، وَقَالَ الآخَرَانِ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ، بِهَذَا الإِسْنَادِ، نَحْوَ حَدِيثِ مَالِكٍ، وَزَادَ فِي حَدِيثِ مَعْمَرٍ: قَالَ: وَقَالَ لَهُ أَيْضًا: أَرَأَيْتَ أَنَّهُ لَوْ رَعَى الْجَدْبَةَ، وَتَرَكَ الْخَصْبَةَ: أَكُنْتَ مُعَجِّزَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَسِرْ إِذًا، قَالَ: فَسَارَ حَتَّى أَتَى الْمَدِينَةَ، فَقَالَ: هَذَا الْمَحِلُّ، أَوْ قَالَ: هَذَا الْمَنْزِلُ، إِنْ شَاءَ اللهُ).


(١) "الفتح" ١٣/ ١٤٣ - ١٤٥، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧٢٩).