المذكور؛ تقديمًا لخبر الواحد على القياس؛ لأنهم أجمعوا على الرجوع اعتمادًا على خبره وحده، بعد أن رَكِبوا مشقة السفر من المدينة إلى سَرْغ، فرجعوا، ولم يدخلوا الشام، وقيل: رجع قبل إخبار عبد الرحمن؛ لأنه قال: إنه مصبح على ظَهْر، قبل أن يخبروه بالحديث، فلما أخبروه قَوِي عزمه على ذلك، وتأول من قال بهذا بأن سالمًا لعله لم يبلغه قول عمر قبل إخبار ابن عوف.
قال القرطبيّ: ورجح بعضهم الأول بأن وَلَده؛ أي: حفيده ما عرف بحاله من غيره، وبأن عمر لم يكن ليرجع إلى رأي دون رأي لغير حجة حتى وجد علمًا، وتأول قوله:"إني مصبح على ظهر" الذي قاله قبل تحديث عبد الرحمن له بالحديث، بأن معناه: إني على سفر لوجهه الذي كان توجّه له، لا أنه رجع عن رأيه، وهذا بعيد. انتهى.
قال الزرقانيّ: ولا حاجة إلى هذا كله؛ لأن عمر -رضي الله عنه- رجع عن رأيه إلى رأي من أشار بالرجوع؛ لكثرتهم، ثم قَوَّى ذلك له حديث عبد الرحمن، فرجع بهم من سَرْغ، وعلى هذا يُحْمَل قول سالم، فلا داعية لدعوى أنه لم يبلغه قول عمر قبل إخبار ابن عوف. انتهى (١).
وقال في "الفتح" -بعد رواية عبد الله بن عامر هذه- ما نصّه: وفي رواية القعنبيّ عقب هذه الطريق: وعن ابن شهاب عن سالم بن عبد الله: "أن عمر إنما انصرف من حديث عبد الرحمن"، وهو لمسلم عن يحيى بن يحيي، عن مالك، وقال:"إنما رجع بالناس من سَرْغَ عن حديث عبد الرحمن بن عوف"، وكذا هو في "الموطأ"، وقد رواه جويرية بن أسماء، عن مالك خارج "الموطأ" مطوّلًا، أخرجه الدارقطنيّ في "الغرائب"، فزاد بعد قوله:"عن حديث عبد الرحمن بن عوف، عن رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أنه نهى أن يَقْدَم عليه، إذا سمع به، وأن يخرج عنه، إذا وقع بأرض هو بها"، وأخرجه أيضًا من رواية بشر بن عمر، عن مالك بمعناه.
قال: وليس مراد سالم بهذا الحصر نفي سبب رجوع عمر -رضي الله عنه- أنه كان