للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

[وثانيهما]: كانت تعتقد أن عظام الميت، وقيل: روحه تنقلب هامة تطير، وهذا تفسير أكثر العلماء، وهو المشهور، ويجوز أن يكون المراد النوعين معًا، فإنهما باطلان، فبيّن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إبطال ذلك، وضلالة الجاهليّة فيما تعتقده من ذلك. و"الهامة" بتخفيف الميم على المشهور الذي لم يذكر الجمهور غيره. وقيل: بتشديدها. قاله جماعة، وحكاه القاضي عن أبي زيد الأنصاريّ الإمام في اللغة. انتهى (١).

وقال ابن الأثير -رَحِمَهُ اللهُ-: الهامة الرأس، واسم طائر، وهو المراد في الحديث، وذلك أنهم كانوا يتشاءمون بها، وهي من طير الليل، وقيل: هي الْبُومة، وقيل: كانت العرب تزعم أن رُوح القتيل الذي لا يُدْرَك بثأره تصير هامة، فتقول: اسقوني، فإذا أُدرك بثأره طارت، وقيل: كانوا يزعمون أن عظام الميت، وقيل: روحه تصير هامة، فتطير، ويسمونه الصَّدَى، فنفاه الإسلام، ونهاهم عنه، وذكره الهرويّ في الهاء والواو، وذكره الجوهريّ في الهاء والياء. انتهى (٢).

وقال في "الفتح": قوله: "باب لا هامة" قال أبو زيد: هي بالتشديد، وخالفه الجميع، فخففوها، وهو المحفوظ في الرواية، وكأن مَن شدَّدها ذهب إلى واحدة الهوامّ، وهي ذوات السموم، وقيل: دواب الأرض التي تَهُمّ بأذى الناس، وهذا لا يصح نفيه، إلا إن أُريدَ أنها لا تضرّ لذواتها، وإنما تضر إذا أراد الله إيقاع الضرر بمن أصابته، وقد ذكر الزبير بن بكار في "الموفقيات" أن العرب كانت في الجاهلية تقول: إذا قُتل الرجلُ، ولم يؤخذ بثأره خرجت من رأسه هامة، وهي دودة، فتدور حول قبره، فتقول: اسقوني، اسقوني، فإن أُدرك بثأره ذهبت، وإلا بقيت، وفي ذلك يقول شاعرهم [من البسيط]:

يَا عَمْرُو إِلَّا تَدَعْ شَتْمِي وَمَنْقَصَتِي … أَضْرِبْكَ حَتَّى تَقُولَ الْهَامَةُ اسْقُونِي

قال: وكانت اليهود تزعم أنها تدور حول قبره سبعة أيام، ثم تذهب، وذكر ابن فارس وغيره من اللغويين نحو الأوّل، إلا أنهم لم يُعَيِّنوا كونها دودةً، بل قال القزاز: الهامة: طائر من طير الليل؛ كأنه يعني: البومة.


(١) "شرح مسلم" ١٤/ ٢١٦.
(٢) "النهاية في غريب الأثر" ٥/ ٢٨٢.