وقال البخاريّ -رَحِمَهُ اللهُ- في "صحيحه": "باب لا صفر، وهو داء يأخذ البطن"، قال في "الفتح": كذا جزم بتفسير الصفر، وهو بفتحتين، وقد نَقَل أبو عبيدة معمر بن المثنى في "غريب الحديث" له عن يونس بن عبيد الجرميّ، أنه سأل رُؤبة بن العَجّاج، فقال: هي حية تكون في البطن تصيب الماشية والناس، وهي أعدى من الْجَرَب عند العرب، فعلى هذا فالمراد بنفي الصفر ما كانوا يعتقدونه فيه من العدوي، ورَجَحَ عند البخاري هذا القول؛ لكونه قُرِن في الحديث بالعدوي، وكذا رَجَّحَ الطبريّ هذا القول، واستَشْهَد له بقول الأعشى:
والشُّرْسُوف: بضم المعجمة، وسكون الراء، ثم مهملة، ثم فاء: الضلع، والصفر: دودٌ يكون في الجوف، فربما عَضَّ الضلع، أو الكبد، فقتل صاحبه، وقيل: المراد بالصفر الحية، لكن المراد بالنفي نفي ما كانوا يعتقدون أن من أصابه قَتَله، فَرَدّ ذلك الشارع بأن الموت لا يكون إلا إذا فَرَغ الأجلُ، وقد جاء هذا التفسير عن جابر -رضي الله عنه-، وهو أحد رواة حديث:"لا صفر"، قاله الطبريّ، وقيل في الصفر قول آخر، وهو أن المراد به شهر صفر، وذلك أن العرب كانت تُحَرِّم صفر، وتستحل المحرَّم، كما تقدم في "كتاب الحجِّ"، فجاء الإسلام بردّ ما كانوا يفعلونه من ذلك، فلذلك قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "لا صفر"، قال ابن بطال: وهذا القول مرويّ عن مالك، والصفر أيضًا وجع في البطن، يأخذ من الجوع، ومن اجتماع الماء الذي يكون منه الاستسقاء. انتهى (١).
(وَلَا هَامَةَ) بتخفيف الميم على المشهور، وقيل: بتشديدها، قال أبو داود في "سننه": قال بقيّة: سألت محمد بن راشد عن قوله: "لا هامة"، فقال: كان أهل الجاهليّة يقولون: ليس أحدٌ يموت فيُدفن إلا خرج من قبره هامة. انتهى.
وقال النوويّ: فيها تأويلان:
[أحدهما]: أن العرب كانت تتشاءم بها، وهي من طير الليل. وقيل: هي الْبُومة، قالوا: كانت إذا سقطت على دار أحدهم، فيراها ناعيةً له نفسه، أو بعض أهله، وهو تفسير مالك بن أنس.
(١) "الفتح" ١٣/ ١١٦ - ١١٧، كتاب "الطبّ" رقم (٥٧١٧).