للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

قال: وهذه الشبهة التي وقعت لهؤلاء هي التي وقعت للطبائعيين أَوّلًا، وللمعتزلة ثانيًا، فقال الطبائعيون بتأثيرات الأشياء بعضها في بعض، وإيجادها إياها، وسمَّوا المؤثّر طبيعة، وقالت المعتزلة بنحو ذلك في أفعال الحيوانات، والمتولدات، وقالوا: إن قدرتهم مؤثرة فيها بالإيجاد، وأنهم خالقون لأفعالهم، مستقلون باختراعها، واستند الكل ممن ذكر للمشاهدة الحسية، وربما نسبوا منكر ذلك إلى إنكار البديهة، وهذا منهم غلط فاحش، وسببه: أنهم التبس عليهم إدراك الحسّ بإدراك العقل، فإنَّ الذي شاهدوه إنَّما هو تأثير شيء، عند شيء آخر، وهذا حظ الحس، وأما تأثيره فيه، فلا يُدرَك حسًّا، بل عقلًا، فإنَّ الحس إنما أدرك وجود شيء عند شيء، وارتفاعه عند ارتفاعه، أما إيجاده به فليس للحس فيه مدخل، فإنها المتقارنات في الوجود على حالة واحدةٍ، والعقل هو الذي يُفرِّق، فيحكم بتلازم بعضها بعضًا عقلًا، ويحكم بتلازم بعضها ببعض عادةً، مع جواز التبدُّل عقلًا، ولقد أحسن من قال من العقلاء النظار الفضلاء: إياك والانخداع بالوجود، والارتفاع، قال: واستيفاء الكلام على هذا في علم الكلام. انتهى (١).

٣ - (ومنها): إثبات القدر، ووجوب الإيمان به.

٤ - (ومنها): ما قاله القرطبيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: فيه دليلٌ على جواز مشافهة من وقعت له شبهة في اعتقاده بذكر البرهان العقليّ، إذا كان السامع أهلًا لفهمه، فأما أهل القصور، فيُخاطَبون بما تحتمله عقولهم من الأمور الإقناعيات.

وقال أيضًا: هذه الشبهة وقعت للطبائعيين، ثم للمعتزلة، فقال الطبائعيون: بتأثير الأشياء بعضها في بعض، وإيجادها إياها، ويسمّون المؤثّر طبيعةً، وقال المعتزلة به في أفعال العباد، وقالوا: قدرتهم مؤثرة فيها الإيجاد، مستقلون بها، واستَدَلّ كلٌّ بالمشاهدة الحسية، وهو غلط، سببه التباس إدراك العقد. انتهى (٢).

٥ - (ومنها): ما قال ابن العربيّ -رَحِمَهُ اللهُ-: هذا الحديث أصل عظيم في تكذيب القدرية، وأصل حدوث العالم، ووجوب دخول الأولية له، ودليل على


(١) "المفهم" ٥/ ٦٢٠ - ٦٢١.
(٢) "المفهم" ٥/ ٦٢٢.