صحة القياس في الأصل، وأما خبر:"لا يورد مُمْرِض على مُصِحٍّ"، فهو نهي عن إدخال التوهم والمحظور على العامّة باعتقاد وقوع العدوى عليهم بدخول البعير الأجرب فيهم. انتهي، والله تعالى أعلم.
(المسألة الرابعة): في اختلاف أهل العلم في الجمع بين حديث: "لا عدوى"، وحديث:"لا يورد ممرض على مصحّ"، وكلاهما صحيحان اتفق الشيخان على إخراجهما:
قال النوويّ: قال جمهور العلماء: يجب الجمع بين هذين الحديثين، وهما صحيحان، قالوا: وطريق الجمع أن حديث: "لا عدوى" المراد به نفي ما كانت الجاهلية تزعمه، وتعتقده أن المرض والعاهة تُعْدِي بطبعها، لا بفعل الله تعالي، وأما حديث:"لا يورد ممرض على مصح"، فأرشد فيه إلى مجانبة ما يحصل الضرر عنده في العادة بفعل الله تعالى وقَدَره، فنفى في الحديث الأول العدوى بطبعها، ولم ينف حصول الضرر عند ذلك بقَدَر الله تعالى وفعله، وأرشد في الثاني إلى الاحتراز مما يحصل عنده الضرر بفعل الله وإرادته وقَدَره، فهذا الذي ذكرناه من تصحيح الحديثين والجمع بينهما هو الصواب الذى عليه جمهور العلماء، ويتعيَّن المصير إليه، ولا يؤثّر نسيان أبي هريرة -رضي الله عنه- لحديث:"لا عدوى"؛ لوجهين:
[أحدهما]: أن نسيان الراوي للحديث الذي رواه لا يقدح في صحته، عند جماهير العلماء، بل يجب العمل به.
[والثاني]: أن هذا اللفظ ثابت من رواية غير أبي هريرة، فقد ذكر مسلم هذا من رواية السائب بن يزيد، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وابن عمر -رضي الله عنهم- عن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-.
وحَكَى المازريّ، والقاضي عياض عن بعض العلماء أن حديث:"لا يورد ممرض على مصح" منسوخ بحديث: "لا عدوى"، وهذا غلط لوجهين:
[أحدهما]: أن النسخ يشترط فيه تعذر الجمع بين الحديثين، ولم يتعذر، بل قد جمعنا بينهما.
[والثاني]: أنه يُشترط فيه معرفة التاريخ، وتأخر الناسخ، وليس ذلك موجودًا هنا.