وقال آخرون: حديث "لا عدوى" على ظاهره، وأما النهي عن إيراد الممرض على المصِحّ فليس للعدوي، بل للتأذي بالرائحة الكريهة، وقبح صورته، وصورة المجذوم، والصواب ما سبق. انتهى (١).
وقال في "الفتح" عند شرح قوله: "وفرّ من المجذوم كما تفرّ من الأسد" ما نصّه: قال عياض: اختَلَفت الآثار في المجذوم، فجاء ما تقدم عن جابر أن النبيّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- أكل مع مجذوم، وقال:"ثقةً بالله، وتوكلًا عليه"، قال: فذهب عمر، وجماعة من السلف إلى الأكل معه، ورأوا أن الأمر باجتنابه منسوخ، وممن قال بذلك: عيسى بن دينار من المالكية، قال: والصحيح الذي عليه الأكثر، ويتعيَّن المصير إليه، أن لا نسخ، بل يجب الجمع بين الحديثين، وحَمْلُ الأمر باجتنابه، والفرار منه على الاستحباب، والاحتياط، والأكل معه على بيان الجواز. انتهى.
هكذا اقتصر القاضي، ومن تبعه على حكاية هذين القولين. وحكى غيره قولًا ثالثًا، وهو الترجيح، وقد سلكه فريقان:
أحدهما: سلك ترجيح الأخبار الدالة على نفي العدوَي، وتزييف الأخبار الدالة على عكس ذلك، مثل حديث الباب، فأعلُّوه بالشذوذ، وبأن عائشة -رضي الله عنها- أنكرت ذلك، فأخرج الطبريّ عنها أن امرأة سألتها عنه، فقالت: ما قال ذلك، ولكنه قال:"لا عدوى"، وقال:"فمن أعدى الأول؟ "، قالت: وكان لي مولى به هذا الداء، فكان يأكل في صحافي، ويشرب في أقداحي، وينام على فراشي، وبأن أبا هريرة تردّد في هذا الحكم، كما سيأتي بيانه، فيؤخذ الحكم من رواية غيره، وبأن الأخبار الواردة من رواية غيره في نفي العدوى كثيرة، شهيرة، بخلاف الأخبار المرخِّصة في ذلك، ومثل حديث:"لا تديموا النظر إلى المجذومين"، وقد أخرجه ابن ماجة، وسنده ضعيف، ومثل حديث عبد الله بن أبي أوفي، رفعه:"كَلِّم المجذوم، وبينك وبينه قيد رمحين"، أخرجه أبو نعيم في "الطبّ" بسند واه، ومثل ما أخرجه الطبريّ، من طريق معمر، عن الزهريّ: "أن عمر قال لمعيقيب: اجلس مني قيد