للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

مُصِحٍّ"، فَمَارَاْهُ) من المماراة، وهي المجادلة. (الْحَارِثُ فِيِ ذَلِكَ)؛ أي: في كونه حدّث بـ "لا عدوى(حَتَّى غَضِبَ أَبُو هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (فَرَطَنَ بِالْحَبَشِيَّةِ)؛ أي: تكلّم باللغة الحبشيّة، قال المجد -رَحِمَهُ اللهُ-: الرَّطَانَةُ -أي: بالفتح- ويُكسَر: الكلام بالأعجميّة، ورَطَنَ له، وراطنه: كلّمه بها، وتراطنوا: تكلّموا بها. انتهى (١).

(فَقَالَ) أبو هريرة -رضي الله عنه- (لِلْحَارِثِ: أَتَدْرِي)؛ أي: أتعلم (مَاذَا قُلْتُ؟)؛ أي: أيُّ شيء قلته؟ (قَالَ) الحارث (لَا) أدري، (قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (قُلْتُ: أَبَيْتُ)؛ أي: قلت كلامًا معناه بالعربيّة: أبيت؛ أي: امتنعت من الاعتراف بما قلت. (قَالَ أَبُو سَلَمَةَ) بن عبد الرحمن (وَلَعَمْرِي) بفتح العين، وسكون الميم؛ أي: وخالق حياتي، قال في "التاج": العُمْرُ بالفَتْح، وبالضّمّ، وبضَمَّتَيْن: الحَيَاةُ، يقالُ: قد طال عَمْرُه، وعُمْرُه، لُغَتَان فَصِيحَتان، فإذا أَقْسَمُوا فقالوا: لَعَمْرُكَ، فَتَحُوا لا غير، وفي "البَصَائر": العَمْرُ، والعُمْرُ واحدٌ، لكن خُصَّ القَسَمُ بالمَفْتُوحَة. انتهى (٢).

قال الجامع عفا الله عنه: قوله: "ولعمري" كونه للقسم غير جائز؛ لأنه حلف بغير الله تعالي، فيكون على حذف مضاف، كما قدّرناه، أو أنه لم يُرِدْ به القَسَم، بل مجرّد تأكيد الكلام، كما في: تَرِبَتْ يمينك، ونحوه، والله تعالى أعلم.

(لَقَدْ كَانَ أَبُو هُرَيْرَةَ) -رضي الله عنه- (يُحَدِّثُنَا أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "لَا عَدْوَى"، فَلَا أَدْرِي أَنَسِيَ أَبُو هُرَيْرَةَ، أَوْ نَسَخَ أَحَدُ الْقَوْلَيْنِ الآخَرَ؟) الأقرب أن السبب هو النسيان، قال في "الفتح": هذا الذي قاله أبو سلمة ظاهر في أنه كان يعتقد أن بين الحديثين تمام التعارض، وقد تقدم وجه الجمع بينهما، وحاصله أن قوله: "لا عدوى" نَهْيٌ عن اعتقادها، وقوله: "لا يورد" سبب النهي عن الإيراد خشيةَ الوقوع في اعتقاد العدوي، أو خشية تأثير الأوهام، كما في حديث: "فِرّ من المجذوم"؛ لأن الذي لا يعتقد أن الجذام يُعدي يجد في نفسه نفرةً. حتى لو أكرهها على القرب منه لتألمت بذلك، فالأولى بالعاقل أن لا يتعرض لمثل ذلك، بل يباعد أسباب الآلام، ويجانب طرق الأوهام، والله أعلم.


(١) "القاموس المحيط" ص ٥١٤.
(٢) "تاج العروس" ١/ ٣٢٣٥.