للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

اعتقاد ذلك، أو مخافة تشويش النفوس، وتأثير الأوهام، وهذا كنحو أمره بالفرار من المجذوم، فإنه وإن كنا نعتقد أن الجذام لا يُعدي، فإنا نجد من أنفسنا نفرةً، وكراهيةً لذلك، حتى إذا أكره الإنسان نفسه على القرب منه، وعلى مجالسته تألَّمت نفسه، وربما تأذت بذلك، ومرضت، فيحتاج الإنسان في هذا إلى مجاهدة شديدة، ومكابدة، ومع ذلك فالطبع أغلب، وإذا كان الأمر بهذه المثابة؛ فالأَولى بالإنسان ألا يقرب شيئًا يحتاج الإنسان فيه إلى هذه المكابدة، وأن لا يتعرض فيه إلى هذا الخطر، والمتعرض لهذا الألم زاعمًا أنه يجاهد نفسه حتى يزيل عنها تلك الكراهة، هو بمنزلة من أدخل على نفسه مرضًا إرادة علاجه حتى يزيله، ولا شك في نقص عقل من كان على هذا، وإنما الذي يليق بالعقلاء، ويناسب تصرُّف الفضلاء أن يباعد أسباب الآلام، ويجانب طرق الأوهام، ويجتهد في مجانبة ذلك بكل ممكن، مع عِلْمه بأنه لا يُنْجي حذر عن قَدَر، وبمجموع الأمرين وَرَدَت الشرائع، وتوافقت على ذلك العقول والطبائع.

قال: وأما سكوت أبي هريرة -رضي الله عنه- عن قوله: "لا عدوى"، وإيراد حديثِ: "لا يورد ممرض على مصحّ" بعد أن حدَّث بمجموعها، فلا يصحّ أن يكون من باب النسخ، كما قدَّره أبو سلمة بن عبد الرحمن؛ لأنهما لا تعارض بينهما؛ إذ الجمع صحيحٌ كما قدَّمناه، بل الواجب أن يقال: إنهما خبران شرعيان عن أمرين مختلفين، لا متعارضين؛ كخبر يتضمَّن حكمًا من أحكام الصلاة، وآخر يتضمن حكمًا من أحكام الطهارة مثلًا، وقد بيَّنَّا وجه تباين الخبرين، وعلى هذا فسكوت أبي هريرة -رضي الله عنه- يَحْتَمِل أوجهًا:

أحدها: السببان المتقدِّمان، كما قال أبو سلمة.

وثانيهما: أنهما لما كانا خبرين متغايرين لا ملازمة بينهما؛ جاز للمحدِّث أن يحدِّث بأحدهما، ويسكت عن الآخر؛ حسبما تدعو إليه الحاجة الحالية.

وثالثها: أن يكون خاف اعتقاد جاهل يظنهما متناقضين، فسكت عن أحدهما حتى إذا أَمِن ذلك حدَّث بهما جميعًا.

ورابعها: أن يكون حَمَله على ذلك وجه غير ما ذكرناه، لم يُطْلِع عليه أحدًا.