للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

رقم الحديث:

يدلّ عليه ظاهر الحديث، والقرائن المسوقة على العدوي، وهم الأكثرون.

ومنهم من يرى أنه لم يُرد إبطالها، فقد قال -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "فِرّ من المجذوم فرارك من الأسد" (١)، وقال: "لا يوردنّ ممرض على مصحّ" (٢)، وإنما أراد بذلك نفي ما كان يعتقده أصحاب الطبيعة، فإنهم كانوا يرون أن العلل المعدية مؤثّرة لا محالة، فأعلمهم بقوله هذا أن ليس الأمر على تتوهّمون، بل هو متعلّق بالمشيئة، إن شاء كان، وإن لم يشأ لم يكن، ويُشير إلى هذا المعنى قوله: "فمن أعدى الأول؟ "؛ أي: إن كنتم ترون أن السبب في ذلك العدوى لا غير، فمن أعدى الأول؟، وبيّن بقوله: "فِرّ من المجذوم"، وبقوله: "لا يوردنّ ممرض على مصحّ" أن مداناة ذلك من أسباب العلّة، فليتّقه اتّقاءه من الجدار المائل، والسفينة المعيبة.

وقد ردّ الفرقة الأولى على الثانية في استدلالهم بالحديثين أن النهي فيهما إنما جاء شفقًا على مباشِر أحد الأمرين، فتصيبه علّة في نفسه، أو عاهة في بدنه، فيعتقد أن العدوى حقّ.

قال: وأرى القول الثاني أَولى التأويلين؛ لِمَا فيه من التوفيق بين الأحاديث الواردة فيه، ثُمّ إن القول الأول يُفضي إلى تعطيل الأصول الطبّيّة، ولم يَرِد الشرع بتعطيلها، بل ورد بإثباتها، والعبرةِ بها على وجه لا يناقض أصول التوحيد، ولا مناقضة في القول بها على الوجه الذي ذكرناه.

قال: وأما استدلالهم بالقرائن المنسوقة عليها، فإنا قد وجدنا الشارع قد يجمع في النهي بين ما هو حرام، وبين ما هو مكروه، وبين ما يُنهى عنه لمعني، وبين ما يُنهى عنه لمعان كثيرة، ويدلّ على صحة ما ذكرنا قوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمجذوم المبايع: "قد بايعنك، فارجع" في حديث الشريد بن سُويد الثقفيّ -رضي الله عنه-، وقوله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- للمجذوم الذي أخذ بيده، فوضعها معه في القصعة: "كل ثقةً بالله، وتوكّلًا عليه"، ولا سبيل إلى التوفيق بين هذين الحديثين إلا من هذا الوجه، يبيّن بالأول التوقّي من أسباب التلف، وبالثاني التوكّل على الله في متاركة الأسباب؛ ليثبت بالأول التعرّض بالأسباب، وهو سنّة، وبالثاني ترك


(١) رواه البخاريّ.
(٢) متّفقٌ عليه.